نحلم بوطن بلا كراهية ولا إقصاء ولا فجور في الخصومة، لأن كل هذه الصفات المقيتة هى بوابات واسعة يدخل منها الاستبداد والتفرد والحكم الأسري والمشاريع الحقيرة وهي تقف وراء ضعف وتشتت الشعوب. المشكلة أننا نتحدث كلنا عن محاربة الكراهية والإقصاء والفجور .. وكل واحد يفهم ذلك بطريقته فيتحول كل ذلك الهراء إلى خدمة الإقصاء والكراهية والتخلف.. أنا أشتم الكراهية والإقصاء .. وأعني من أعتقد أو أظن أنه يكرهني ويقصيني، بينما أبيح لنفسي أن أكره وأن أقصي على مزاجي وراحتي. خدمة للوطن «طبعاً» ومن أجل الثورة «بالتأكيد».. هل سمعتم مستبداً وسفاحاً يمجد الكراهية والقتل والإقصاء.. أبداً.. الكارثة وجود هذا المسلك المقلوب عند بعض الثوار والأحرار «وبحسن نية» لا فرق بين اليمين واليسار .. وزيد وعمرو الذين يتفقون بالغالب في عشق الزحام والمزاحمة على الصف الأول.. وكم يا ثورة وكم يا نضال وشهداء، ودول كانت مشاريع حضارية جادة، ذبحت ولفظت أنفاسها تحت «حوافر» المتزاحمين على الصف الأول والصورة الأبرز. ولعلمي فإن الأطفال وخفيفي العقول هم من يحرصون على ذلك، لكنهم أحياناً ينجحون في إعاقة المسيرة وإحداث أزمة مرورية، وقد ينجح أحدهم على حين غرة في إضرام النار من عود ثقاب مرمي هنا أو هناك.. وهنا تكمن الخطورة. البطولة لا تكمن أبداً في تتبع العورات ونقاط ضعف الناس وتقطيع الأواصر والتجريح الشخصي، فكل هذا سهل ميسور وكل «المجانين» بإمكانهم القيام به. البطولة والثورة تكمن في خوض المعارك من أجل مد الجسور وإعادتها مرة ومرتين وثلاث وعشر وعشرين دون يأس، لأنها وحدها من تحمي الثورات والأوطان والشعوب وتضمن التغيير الذي يجب أن يبدأ ثقافياً ووجدانياً قبل تغيير الأشكال والصور .. البطولة باستغلال القواسم المشتركة للمحافظة على الروابط الأخوية والإنسانية واستنباتها لا «دهسها» بالحماقات والطيش وحوافر تشبه حوافر الأبقار والجواميس.. ومن يظن أنه سيعيش وحده يتنفس الهواء النقى.. فهو «مخذول» و«حمار» مع اعتذاري للحمير والدواب التي لم تخرج عن مهمتها الحياتية ووظيفتها الطبيعية كما نفعل «نحن» كعرب اقحاح. [email protected]