التعليم العالي في تعز لم يعد مقتصراً على كلية للتربية وأخرى للآداب تتبعان جامعة صنعاء، كما كانت حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، فاليوم في تعز جامعة شامخة فيها تخصصات متعددة ومتنوعة، تتصدرها كليتا الطب والهندسة، وفيها أيضاً أكثر من سبع جامعات وكليات خاصة ومعاهد عليا، وذاك يعني أن تعز أصبحت قبلة الدارسين، وفناراً للباحثين عن العلم والمعرفة. وكل عام يتوافد إليها آلاف الطلاب للدراسة، فهذه تعز أول من احتضن التعليم النظامي في شمال الوطن، وما يحز في النفس ويوخز الضمير، أن القطاع الخاص في تعز – وهم من يتصدرون المشهد الرأسمالي لليمن – غابت بصماتهم عن دعم العملية التعليمية، باستثناء كلية ضخمة للهندسة وتقنية المعلومات أنشئت بالكامل على نفقة بيت هائل، وتتبع جامعة تعز. بقية القطاع الخاص في تعز الحديث عنه “كأنك تنفخ في رماد” لا يزيدك إلا ضراً. لنسأل أنفسنا وإياهم: ماذا قدم القطاع الخاص - بما فيهم بيت هائل – للبحث العلمي، كم كلية تم إنشاؤها أو تأثيثها على نفقة القطاع الخاص، كم مكتبة عامة تم إنشاؤها على نفقة هذا القطاع، كم عدد المعامل التي صُممت وأثثت على نفقة هذا القطاع، كم عدد الباحثين والدارسين الذين تم ابتعاثهم إلى الخارج على نفقة القطاع الخاص؟، وتلك أسئلة مفتوحة لكل ملاك القطاع الخاص في اليمن، ولا يُحسن اقتصارها على رجال الأعمال في تعز. هناك فكرة أشعر بأهميتها وحيويتها، وأريد أن أفرد لها مساحة أخرى للحديث، وهي ذات صلة بدور القطاع الخاص بالتعليم والبحث العلمي، وتلك الفكرة تراودني كلما تذكرت الإحصائيات في لبنان: 3000 لبناني أكملوا دراسة الماجستير والدكتوراه على نفقة مؤسسة الحريري الخيرية، وعند وفاة الشهيد الحريري «رحمه الله» في 14 فبراير 2005م، كان 600 لبناني ينتظرون مناقشة رسائلهم العليا في أكثر من 20 دولة في العالم، وجميعهم على نفقة مؤسسته الخيرية. لا أعلم أن طالباً يمنياً قد سافر للدراسة حتى في حرض أو الراهدة على نفقة القطاع الخاص، ولا أدري كيف داهم الهوس أحد رجال الأعمال في اليمن، ودفع الصحافة تكتب عنه، بأنه “حريري اليمن” أظنها “طشاشة قات” مش أكثر. ما أريد الحديث عنه بغبن شديد هو أن طلاب جامعة تعز – العاصمة الرأسمالية والثقافية لليمن – يشكون عدم وجود سكن خاص بطلاب الجامعة، والقطاع الخاص يسبح بحمد من خلق “الدعممة”، وكأن الأمر لا يعنيهم، وبعد أن يصبح هؤلاء الطلاب خريجين بشهادات جامعية متميزة، يستثمر القطاع الخاص ما أمكن منهم، في قطاعاته المتعددة، ولا ينسى أن يمنّ عليهم أنه انتشلهم من البطالة. ماذا يعيق رجال الأعمال بتعز إذا أنشأوا مساكن خاصة بطلاب جامعة تعز، فمعظمهم قادمون من الأرياف، ومن محافظات بعيدة، عافى الله الشيخ سنان أبولحوم، أنشأ بمفرده ثلاثة مجاميع سكنية لطلاب جامعة صنعاء، تأوي أكثر من 2000 طالب، ويحظون بكامل الرعاية والاهتمام والخدمات. أحد طلاب جامعة تعز ناشدني -عبر الايميل- بالكتابة عن مأساتهم، وضيق مساكن “العزيبة”، وتمنع كثير من الملاك عن تأجير عقاراتهم للعزاب، وكأن هؤلاء العزاب جانحون في المجتمع، لا يمكن مجاورتهم، وليسوا طلاب علم في أرقى مؤسسة تعليمية. ولست أدري ما هو وضع الطالبات الجامعيات الوافدات للدراسة في تعز، هل يعانين ذات المشكلة، أم لهن مساكن خاصة بهن، كحال نظيراتهن في جامعة صنعاء. نتعشم أملاً وخيراً في ملاك القطاع الخاص، وملاك العقارات، وأعضاء المجالس المحلية بتعز، أن يفعلوا خيراً تجاه طلابنا، فهؤلاء هم من سيبنون يمن الغد. [email protected]