قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخاطباً أبا موسى الأشعري: ياأبا موسى أيسرك أنك خرجت من عملك كفافا خيره بشرّه، وشرّه بخيره، لا لك ولا عليك؟ قال: ياأمير المؤمنين، والله لقد قدمت البصرة، وإن الجفا فيهم لفاشٍ.. “يقول الشارح: الجفا: البعد عن الشيء، والمقصود البعد عن الصلة والبر وحسن الخلق، والفاشي: أي المنتشر بينهم“.. قال: فعلمتهم القرآن والسنة، وغزوت بهم في سبيل الله وإني لأرجو بذلك فضيلة. قال عمر: لكن وددت أني خرجت من عملي خيره بشره، وشره بخيره كفافا لا لي ولا عليّ، وخلُقي لي عملي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول د.أنس أحمد كزرون: “انظروا إلى هذا المشهد المؤثر والبديع وخشية عمر رضي الله عنه من تبعات المسئولية..وإذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخشى من التقصير في حمل أمانة هذا الدين وتولي شئون الناس”، مقابل أن هناك في أيامنا يوجد من يظن أنه ظفر بالدرجات العليا من الجنة ويدعوه ذلك إلى التراخي والاكتفاء بما فعل، وعدم الرغبة في بذل المزيد من الجهد في تولية الناس وتوجيههم والتفاني في إرشادهم وخدمتهم.. بل إننا نرى هذه الأيام من يعتبر المسئولية بقرة حلوباً يمسك بضروعها، يقاتل من أجل أن لا تخلص إلى أحد غيره وهو في سبيل ذلك يكذب ويمكر ويراوغ ويعصي الله وروسوله علناً وجهرة ويخالف القوانين والتشريعات ويحلف الأيمان المغلظة أنه لن يترك ضروع البقرة لغيره “فهو بالكاد وصل إليها عن طريق الوساطة أو القرابة أو الرشوة”، فكيف يتركها؟؟ من حسن حظ محافظة تعز أن يأتي على رأس المحافظة رجل لا يحتاج لضروع البقرة ولا إلى شحمها أو لحمها أو مرقها، وإنما كانت الفكرة من اختياره هي أن يخصص وقته الغالي والثمين لتنظيف المحافظة والرقي بأدائها ووضع برامج وخطط عمل وكنس القاعات والغرف والأدوار الثلاثة من غبار الرشوة والإهمال والكيد والمؤامرات وتعطيل الواجب وإزالة الأشواك والمسامير والصخور الناتئة والعقول الفايتة والكراسي الصدئة والأفواه الجائعة أبداً والعيون الزائفة أبداً وفتح أبواب المحافظة ونوافذها للنور والهواء النقية حتى تستطيع أن ترفع عن محافظة تعز أسباب الغبن والقهر والإهمال وعن اليمن بأسرها أسباب العجز، كون تعز منارة اليمن الثقافية ومع ذلك فقد كانت محافظتها بؤرة التسوس كما لو كانت ضرساً مؤلماً، شديد الإيذاء للجسم كله لأنه يخفي تحته صنوفاً من الإنتانات المعدية المزمنة وكلما جاء محافظ لا يفعل شيئاً سوى إضافة أوجاع جديدة وإبقاء على الداء نفسه مضافاً إليه مساوئ المحافظ الجديد. فما هو المطلوب من المحافظ الجديد..؟ إن منصب “المحافظ” هو منصب كبير تشرئب إليه الأعناق خصوصاً من أولئك، طلاب المنافع وعشاق المناصب، ومع خطورة هذا المنصب وأهميته إلا أنه من حسن حظنا لا يعني لشوقي أحمد هائل سوى أنه تكليف ثقيل مرهق ومضنٍ وتضحية بكثير من المصالح المرتبطة بالمؤسسات والشركات التابعة لمجموعته.. فلابد أن يجد الوقت لينظر في مصالح المحافظة ومصالح أعماله الخاصة التي لا تقل أهمية عن أعمال المحافظة، ليس من أجله هو وإنما من أجل الناس أيضاً الذين أخذت مجموعة هائل سعيد على عاتقها توظيفهم فماذا يتعين عليه أن يفعل؟ إنه يعلم كما نحن أيضاً نعلم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك ومن شاء أن يتأكد من ذلك فليراجع مسيرة جحا مع ابنه وحماره، فهل يركب جحا حماره لوحده أم يركبه مع ابنه أم يسير هو وابنه على قدميهما ويتركان الحمار دون حمول ولا يحزنون؟ بإمكان المحافظ أن لا يفعل شيئاً سوى أن يعمد إلى مجاملة الناس بحيث يجلس على كرسيه في المحافظة ويرد على كل من يطلب بالتلفون ويقابل كل من يريد مقابلته، يستقبلني ويستقبلك ويستقبله ثم يتبعنا إلى خارج مكتبه وربما ينزل الدرج إلى بوابة المحافظة ثم يعود إلى مكتبه ولماذا كل ذلك؟ لكي يتحدث للناس عن بساطة المحافظ وتواضعه.. لكنه إن فعل ذلك! لن يحقق أي إنجاز ولن يستطيع وضع البرامج ولا وضع الخطط الضرورية أو الحيوية ناهيك عن تنفيذها أو التفكير بالتقدم خطوة واحدة. لذلك فإن على المحافظ أن لا يستقبل أحداً أو يهاتفه أحد إلا في أمور لها علاقة بأمور المحافظة أو مسائل خطيرة لا تحتمل التأجيل، فهناك سكرتيره أو مدير مكتبه الذي يجب أن يكون بقدر ما يتحلى به من دماثة أخلاق ونزاهة وإخلاص لابد أن يكون “عاصر شنبه” قد تدرب عل كل أنواع “الكاراتيه” وغيره من وسائل الدفاع وأن يكون في البوابة رجال عاهدوا الله أن لا يجاملوا شيخاً ولا قائداً إلا بتوجيهات مسبقة وبميعاد محدد بالساعة والدقيقة وبدون سلاح ولا حرس ولا نخط ولا استعراض. يعلم الناس أن المحافظة منذ أن عرفها الناس لم تحظَ بمحافظ له مهام محددة خارجة عن نفوذ وسيطرة الضباط وقادة الجيش والأمن والمشائخ والأعيان، كانوا جميعاً يحكمونها وغالباً ما يكون المحافظ يرتعد ويرتعش من بعضهم فلا يعصي لهم أمراً ولا يملك المحافظ من الأمر شيئاً سوى تنفيذ الأوامر العليا التي تحدد هل يبقى في المحافظة ومن يستقبل؟ ومن لا يستقبل؟ أو يخرج في زيارات ميدانية؟ لذلك لم يحقق المحافظون إنجازاً واحداً إلا أن يكون هشاً ركيكاً وغالباً ما يكون من أجل ذر الرماد على العيون!!