يقول أحمد عرابي «إن الله قد خلقنا أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً»، ولأن هذه الحرية هبة «المولى» العزيزة للإنسان وبها تكتمل إنسانيته وآدميته وإلا تحول إلى ظل هامشي يفقد القيم المرتبطة بآدميته . النظر للإنسان أنه ضمن أملاك العائلة أو القبيلة أو المذهب , هو الداء الذي يقضي على هؤلاء المتسلطين الجدد والقدامى وسدنتهم الحمقى الذين اختزلوا دورالإنسان في الأرض ليكون مسخراً بجهده وفكره وعمله لحراسة وحماية فرد, أو قلماً يردد صدى لسانه، وسلاحاً مدافعاً عن جلاده ,ومتخلياً عن أدواره ووجوده، ليكون من ضمن الدواب المسخرة لأطماع الفرد وحاشيته. ما أصعب العيش في وطن لايتعدى طموح الإنسان فيه رضا مخلوق مثله. حين يضيق الوطن ليكون بحجم فرد أوحزب, إنما هو سلب الإنسان لقيمته الإنسانية ومافيها من قيم الشرف والعزة والكرامة. وهو أيضاً المبشرالأول بزوال المستبد وأعوانه، لأن الإنسان وجد ليعيش حراً ملكاً في كوخه وقصره، سلطاناً في ذاته، متجولاً في فلك الله، مسبحاً بحمده وحده، مقراً بعبوديته لربه، كافراً بأرباب التسلط وعبيد العبيد. إن الحرية الحقيقية هي من يوقف تسلط الجبابرة العبيد، وأقول هنا «العبيد» لأن الحر يعيش من حوله معه وبه أحراراً ولا يرضى أن يحرم غيره ما يتلذذ به, وكما قيل العظيم من تشعربوجوده «أنك عظيم»، وكذلك الحر لابد أن يهديك نسمات وهبات حرة تشعر بصحبته والعمل معه بوجودك الإنساني. إننا حين نتخلى طواعية عن حريتنا وأحلامنا نمد المتسلطين ببذور الاستبداد وطاقة الاستمرار، وتصبح بعدها مقاومتهم أصعب، لأنهم قد غرسوا أنياب مطامعهم في لحمتنا ويصبح أمر الفكاك عنهم مكلفاً وباهظاً وطويل المخاض, لكنه حتمي .