انتهت معركة التمرد التي قادتها عائلة صالح ضد قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي في أولى جولات إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية ، والتي تعد أحد الأسس والمرتكزات الرئيسية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. كانت المعركة شرسة وبدت عائلة صالح تحاول بكل ما لديها من قوة ونفوذ عسكري ومادي وسياسي واجتماعي أن تثبت للجميع انها ماتزال متماسكة وأنها ماتزال تمسك بالكثير من الخيوط وتسيطر على مناطقها سيطرة مطلقة ، فيما بدا الرئيس هادي مصراً على إثبات زعامته ولم يتزحزح قيد أنملة عن إنفاذ قراراته . كانت معركة إقالة شخصين من أقرباء صالح أطول من معركة إزاحة أقوى رئيس عربي عن عرش أقوى دولة عربية، فقد استمرت هذه المعركة لعشرين يوماً ولولا تدخل المبعوث الدولي جمال بن عمر لربما طالت أكثر . هذه المعركة في تقديري ليست سوى بروفة لما ستكون عليه المعارك القادمة خلال جولات إعادة الهيكلة. على أن الأهم في تلك المعركة أنها أثبتت أن علي صالح وعائلته لم يكونوا يوماً رجال دوله مطلقاً، وأنهم لم يكونوا مهنيين أو حرفيين – كما زعم يحيى محمد ذات يوم – فلو كانوا رجال دولة أو ضباط جيش محترفين لما تمردوا على رئيس جاء من صفوفهم وهم من دفع به إلى الواجهة وشاركوا بكثافة في التصويت لانتخابه . أنا أدرك أن علي صالح وبقية العائلة ربما تكون منتشية بالطريقة التي أدارت بها معركتها الأولى كعناصر متمردة على الشرعية كونها لم تسلم إلا بشروط . لكن ما لا يدركه صالح ومن تبقى حوله أنهم تحولوا من شريك في الحكم خلال الفترة الانتقالية ومن طرف رئيسي في صناعة اليمن الجديد إلى مجرد أفراد ولن يكون بمقدورهم بعد الآن إقناع أولئك الذين ظلوا يناصرونهم على البقاء في صفهم . فرئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام في طريقها للخروج ومغادرة مرابع العائلة، بل هي الآن فعلياً خارج صالح والمؤكد أنه لن يبقى في قيادة المؤتمر العليا أي شخصية من تلك الشخصيات التي سممت الحياة السياسية في اليمن. الأوراق التي ماتزال بيد صالح أصبحت في حكم المنتهية لأنها لم تعد قابلة للاستخدام ، فأموال صالح كلها خارج اليمن ولن يكون بمقدوره إعادتها إلى اليمن، والحرس الجمهوري أصبح تحت المجهر ولن يستطيع أن يتحرك أو يتمرد على أي قرارات جديدة للرئيس هادي والأمن القومي والأمن المركزي في طريقهما للانضمام مع الاجهزة المقابلة، وحتماً لن تكون قيادتهما بأيدي عمار ويحيى وحتى الاسلحة والذخائر التي نهبت وهربت الى سنحان لن يكون بمقدورهم استخدامها لأنه لا أحد سيمكنهم من تفجير حرب من أي نوع كان . وعليه يفترض ولو نظريا أن يعي صالح – أشك في ذلك - وبقية عائلته أن أيامهم كحكام لليمن انتهت وان عجلة التغيير لن تعود إلى الوراء وأن أي محاولة منهم لإعاقة المسيرة سترتد عليهم كما حدث في معركة التمرد الأولى . وبالمقابل يفترض بالرئيس هادي أن لا يركن إلى ما حققه من نصر في معركته الأولى وان يدرك جيداً أنه هو الآخر لم يخرج منتصراً من هذه المعركة فقد أثبتت الأحداث أنه لايملك من القوة والجراءة ما يكفي لإنفاذ قراراته ومهلة ال 48 ساعة وجمال بن عمر خير دليل . على الرئيس هادي أن يمضي قدماً في مسيرة إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الامنية وبشكل سريع وعاجل ، مالم فإن صالح وعصابته سيستوعبون «الصدمة» ويعيدون ترتيب اوراقهم من جديد ولن يكون بمقدوره لو تأخر عن المرحلة الثانية من إعادة الهيكلة أن ينفذ أي قرار حتى لو جاء بان كي مون نفسه . الوقت الآن مناسب جداً للبدء فوراً بالخطوة التالية والجميع مهيأ ومستعد لتقبل أي قرارات جديدة وكل تأخير لن يكون في مصلحة اعادة الهيكلة وسيجعل مستقبلها غامضاً ومعه سيطبق الغموض على مستقبل البلاد بأسرها.