اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    الصين: بعد 76 عاما من النكبة لا يزال ظلم شعب فلسطين يتفاقم    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    صيد ثمين بقبضة القوات الأمنية في تعز.. وإفشال مخطط إيراني خطير    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وداعاً للروتين.. مرحباً بالراحة: بطاقة ذكية تُسهل معاملات موظفي وزارة العدل!    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في مرمى ديبورتيفو ألافيس    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    الاتحاد الأوربي يعلن تطور عسكري جديد في البحر الأحمر: العمليات تزداد قوة    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    نص المعاهدة الدولية المقترحة لحظر الاستخدام السياسي للأديان مميز    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتيجية إزاحة «العائلة» وإعادة إنتاج ذات النظام (ملف خاص بالأهالي نت)
نشر في الأهالي نت يوم 05 - 06 - 2012

بعد التفجير الإرهابي في ميدان السبعين في الواحد والعشرين من مايو الماضي خرج الرئيس عبدربه منصور بعدد من القرارات أبرزها تعيين اللواء محمد جميع الخضر وكيلا لجهاز الأمن القومي مكان عمار صالح، والعميد حسين الرضي قائدا لقوات النجدة مكان محمد عبدالله القوسي (صهر يحيى محمد عبدالله صالح)، واللواء فضل القوسي قائدا لقوات الأمن المركزي مكان عبدالملك الطيب.
للوهلة الأولى، تُربط هذه القرارات بعملية التفجير لأنها جاءت بعده مباشرة (في اليوم التالي). وبعد التأمل والاستناد إلى المعلومات التي تفيدها المصادر يثبُت أن هذه القرارات كانت مُعدة من قبل ذلك بكثير وأنه حال دون إعلانها -خلال تلك الفترة- حالات التمرد على القرارات الأولى. وعلى هذا، فالأرجح أن توجيهات الرئيس أوباما لوزارة الخزانة باتخاذ العقوبات ضد من يعرقل عملية الانتقال للسلطة في اليمن، ثم اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن، كانت هي الأسباب الدافعة لصدور تلك القرارات وليس التفجير، وإن كان صدورها بعد التفجير مباشرة لا يخلو من دلالة واتهام ضمني من الرئيس هادي لعائلة صالح بالضلوع بطريقة ما في ذلك العمل الإرهابي البشع، خاصة وأن مهمة التفتيش لمنفذي بروفات العرض كانت -ذلك اليوم- مسؤولية الأمن المركزي والنجدة، فضلا عن جهاز الأمن القومي الذي جرت العادة أن يعتبر مثل هذا العمل جزءا من اختصاصه، ويلعب دورا كبيرا في المهمة بشكل سري. أي أن مسؤولية هؤلاء عن التفتيش سهلت خروج تلك القرارات التي استهدفت عمار صالح -وكيل الأمن القومي، وقائد النجدة -محمد القوسي، وقائد الأمن المركزي عبدالملك الطيب، وقد لا يكون الأخير مستهدفا من القرار بقدر ما كان الهدف منه تضييق الخناق على يحيى صالح -رئيس أركان حرب الأمن المركزي.
وباستثناء قرار تغيير قائد اللواء الثالث حرس جمهوري، تبتعد قرارات الرئيس هادي عن أحمد علي وقيادات ألويته بمختلف مستوياتها من الدنيا إلى الوسطى فالعليا، وتقتصر القرارات على أقارب صالح من الدرجة الثانية -إن صح التعبير.
وينطلق الرئيس هادي في هذه السياسة من منطلقين: المنطلق الأول ستتناوله فقرة تالية، أما الثاني فهو معرفة الرئيس هادي بأن علي صالح مهما تمسك بهؤلاء الأقارب من الدرجة الثانية، فإنه لا يبالي -عند اشتداد الضغط- في التخلي عنهم. وتمسكه -على سبيل المثال- بطارق صالح قائدا للواء الثالث حرس، ليس لأنه طارق، ولا لأنه ابن أخيه، بل لأن الأمر مرتبط باللواء الثالث حرس. ولو كان تمسكه به لأنه طارق أو لأنه ابن أخيه لما تخلى عنه حين أقيل من قيادة حرس الرئاسة!!
ويشعر هؤلاء بالغبن بل والسخط من تعامل صالح إزائهم واتخاذه لهم دروعا لحماية رقبته (قيادات الحرس الجمهوري بمختلف قياداته)، وهذا -ربما- ما دفع يحيى صالح لتقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية الأربعاء الفائت -بحسب ما نشره «الأهالي نت».
وعلى أن يحيى صالح نفى الاستقالة «المؤكدة -بحسب الموقع» إلا أن الأمر لا يخلو من رسالة أراد يحيى إيصالها إلى الطرف الآخر من العائلة، ورسالة أخرى للرئيس هادي يضمنها عتابا يحصل بمقابله على كلمات تطمين تطيل مكوثه في موقعه، خاصة وأنه أصبح يتوقع أن الدور قد وصل إليه، وكذا ليظهر فيها عدم تمسكه بموقعه محققا -بذلك- مكسباً إعلامياً ولو في حدود المحيطين به وبالرئيس هادي، وحتى لا يكون في إقالته المتوقعة مجالا للشماتة من قبل أي شخص قريب أو بعيد، غذ سيخرج يومها ويقول إنه كان قد استقال من تلقاء نفسه ولم يكن يحب البقاء لولا أن الرئيس وبعض الأعزاء أحرجوه وأجبروه على الاستمرار.
ومما يساعده على الخروج بنفي الخبر هو الرفض المتوقع للاستقالة من قبل الرئيس هادي. ففي حين قد يرى البعض أن هذه الخطوة من قبل يحيى صالح غنيمة باردة قدمها للرئيس هادي، وأن الرئيس سيغتنمها ويقبل الاستقالة على الفور، قد برى آخرون أن العكس هو الرأي الأقرب، أي أن الرئيس سيرفض استقالته ليظهر -أولاً- أنه لا يهدف إلى إقصاء أحد من العائلة لمجرد أنهم من العائلة، ولاستمالة يحيى إلى صفه، وفوق ذلك -وهو الأهم- يشعر الرئيس أن يحيى فرض عليه توقيت هذه الخطوة، وهو يريد أن تكون إقالته في الوقت الذي يراه هو مناسبا، وبعد أن يكون قد رتب للأمر، وبالطريقة التي يحقق بها مكسبا، لا في الوقت الذي يحدده يحيى!!
وتعددت الآراء والردود لدى الرأي العام اليمني إزاء هذه التغييرات الأخيرة المشار إليها والتي موضوع هذه الأسطر، وانقسمت هذه الآراء والردود ثلاثة اتجاهات بحسب الانطباعات العامة:
الأغلبية في الشارع اليمني ونخبه يرونها خطوة ممتازة، والمهم -عندهم- أنها أطاحت بعدد من رموز العائلة وضيقت الخناق على بعضهم الآخر.
بعض قوى الثورة يرحبون بإقالة هؤلاء المحسوبين على العائلة لكنهم يرفضون الاقتصار على اختيار البُدلاء من المحيطين بالرئيس هادي واستبعاد قوى الثورة، وأبرز من تحدث باسمهم من النخب هو عيدروس النقيب، إذ قال -في الحلقة الثالثة من مقالاته التي ينشرها -هذه الأيام- تحت عنوان «حول مفهوم الجنوب العربي»: «همسة في أذن الرئيس عبد ربه منصور هادي: لا أعرف أحدا ممن عينتهم أو أحلتهم من القيادات العسكرية والأمنية، لكنني أتمنى عليك أن تتمسك بتنفيذ قراراتك حتى وإن كانت خاطئة، ولا تترك مجالا للوساطات والمحسوبيات، كما أرجو أن لا تنسى الكفاءات الجنوبية المقعدة منذ العام 1994م وأنت تعيد هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية سواء كانت هذه الكفاءات محسوبة على الزمرة أو الطغمة اللتان ودعهما الجنوبيون إلى الأبد».
ويصب هذا الطرح في ذات السياق الذي عبر عنه علي الجرادي بعد صدور حزمة القرارات الأولى التي استهدفت محمد صالح الأحمر وطارق محمد عبدالله صالح، إذ امتدحها واعتبرها شجاعة وقوية من حيث إزاحتها لعدد من رموز العائلة في تلك المواقع، لكنه انتقد استبعادها لقوى الثورة وشبابها -كما قال.
أما القسم الثالث فهم عائلة صالح، وقد عبروا عن رأيهم بطريقة ملتوية كالمعتاد وبعيدا عن وسائلهم الإعلامية المعروفة، وكانت صفحات ال»فيس بوك» هي اختيارهم الأنسب، إضافة إلى ما يروجونه عبر الاتصال الشخصي من خلال عناصرهم الاستخباراتية وغيرها، ومفاد ما ركزوا على طرحه في الأيام التالية للتفجير هو غمزهم للرئيس هادي ووزير الدفاع وتحميلهم مسؤولية الحادث من خلال إخراج العرض العسكري من حوش الأمن المركزي إلى ميدان السبعين، إلى آخر هذا الكلام الذي يريدون منه أن هادي كان يبحث عن ذريعة لتمرير قراراته بشأن عدد من أفراد العائلة طالتهم قراراته في اليوم التالي.
ويقصدون بهذا -وكلامهم واضح- أن عبدربه هو من يقف وراء التفجير ليتخذ منه ذريعة لتلك القرارات التي أقال بها عددا من رموز عائلة صالح وعين مكانها عددا من «زمرته»!!
إن هناك رفضا مطلقا للرئيس هادي من قبل الحوثيين، ومن الحراك المسلح، وممن يوالي هذين التيارين من الذين انخرطوا في التوجه المدعوم إيرانيا. ورفضا مطلقا للرئيس هادي من جهة عائلة صالح التي كانت تعتقد أن انتخابه رئيسا لن يغير من الأمر شيئا إذ سيكون بإمكانها -كما اعتقدت- أن تسيطر عليه وتستخدمه كقفاز تمسك به السلطة «إلى حين ميسرة»، ثم اتضح لها خطأ تقديرها.
وهناك احتقان بدأ يظهر من جهة شباب الثورة، ويتنامى هذا الاحتقان إلى درجة أنه لم يعد يعبر عنه -فقط- بعض الشباب أو الناشطين من هنا وهناك، بل تعدى ذلك إلى درجة حملت بعض القيادات النخبوية للتعبير عن هذا الأمر كما سبق عن علي الجرادي وعيدروس النقيب وآخرين.
وربما أن كثيرا من الجنوبيين الذين كانوا محسوبين -في فترة الصراع بين قطبي الشطر الجنوبي قبل الوحدة- بنوا موقفهم الرافض لانتخابات (21 فبراير) الرئاسية على توقع عدم اتجاه الأمور نحو حل القضية الجنوبية بقدر اتجاهها نحو إعادة إنتاج ذات الصراع القديم وإن بأشكال وأسماء أخرى.
ويسير اليمنيون حثيثا نحو مؤتمر الحوار الوطني الذي ينتظر منه حسم وإنهاء كل قضايا الوطن العالقة أو المعلقة. وتعد «القضية الجنوبية» أبرز هذه القضايا وأولاها، وقضية المرحلة بامتياز. والقرارات والتعيينات المختلفة التي صدرت -حتى الآن- لا تظهر أن هناك تقديرا صحيحا للتعامل مع هذه القضية وحلها، هذا إن لم تكن تدل على إعادة إنتاج ذات الصراع المتبلور حول هذه القضية وإن بتفرعات وأشكال وصور جديدة من الفرز. وقد قال الدكتور النقيب في مقاله المشار إليه سابقا: «وهكذا فإن القضية الجنوبية لا يمكن أن تفهم إلا في سياقها التاريخي والمتعلق ب: (تدمير الدولة ونهب الثروة ومصادرة الحقوق وتهميش المواطنة والاستيلاء على الأرض والمنشآت وتزوير التاريخ ومسخ الهوية وتسطيح الثقافة وتحويل حلم الوحدة من وحدة الشراكة إلى وحدة الضم والإلحاق وما ترافق مع كل ذلك من إزهاق للأرواح وإراقة للدماء). إن هذا المدخل يبدو ضروريا للدخول إلى مهمة المعالجة المطلوبة والممكنات المتوفرة والخيارات التي يمكن الذهاب إليها لمعالجة هذه القضية العادلة والمشروعة وإن اكتنفتها بعض مظاهر التشويش والتضبيب المتعمدين وغير المتعمدين».
تغييرات المحافظين.. الورقة المدخرة!!
يتساءل البعض عن الخطوة المتعلقة بتغيير المحافظين والتي يفترض أنها قد تمت؟ والواضح أن القرارات المتصلة بها ستظل تتنزل بالقطارة كلما دعت الحاجة للضغط على هذا الطرف أو ذاك، أو لاسترضاء هذا الطرف أو ذاك، أو للحصول على مكاسب من هنا وهناك.
واستنادا إلى مقولة عمرو بن العاص التي يُعرف فيها العقل بأنه «معرفة ما سيكون بما قد كان»، يمكن التوقع بأن عملية تغيير المحافظين -سواء تقدمت أو تأخرت أو نفذت بالتدريج- سيجري إخراجها وفق ذات إطار التغييرات السابقة، وستأتي -في شكلها النهائي- حاملة لأكثر الصفات الجوهرية التي كانت تحملها في عهد علي صالح.
وأبرز الاختلال الذي يُتوقع أن يشوب هذه القضية سيكون ناشئا من عدم سيادة الدستور والقانون وانعدام المؤسسية. وخلاصة هذه النقطة أن القرارات التي ستتخذ بهذا الشأن ستحرص على استثمار ما بين المحافظين والوزراء من شقاق أو تباين تسمح به أوجه قصور واختلالات السلطة المحلية وصور التداخل بين صلاحيات الوزير وصلاحيات المحافظ.
وعلى سبيل المثال: سيواجه وزير الداخلية اليوم إشكاليات كبيرة إن أراد أن يتخذ أي قرار بشأن ضابط في أحد أقسام الشرطة بأي مديرية نائية في أي من المحافظات، لأن أي قرار بهذا الشأن قد يصطدم برغبة مخالفة للمحافظ هناك. واختلاف وجهات الوزراء والمحافظين -في ظل هذا الاختلال- سيجعل كلا من المحافظ والوزير محتاجاً لدعم الرئيس، ومن يرضَ عنه الرئيس يصبح هو الطرف الأقوى والأمضى قرارا.
ومن الطبيعي -هنا- أن يتنافس الطرفان للتقرب من الرئيس للحصول على دعمه، فإذا بالرئيس قد تحول -بناء على هذا- إلى قطب لا تدور الرحى بدونه، وإذا الكل يبرر قراراته ويمجد آراءه ويبذل وسعه للإطالة بعمره على كرسي الرئاسة، «وإذا الدنيا كما نعرفها»..!!
وهذا مجرد مثل عن صلاحيات وزير الداخلية وضابط في منطقة نائية بأي محافظة، فكيف إذا تعلق الأمر بما هو أكبر من مجرد ضابط هنا أو هناك؟ وماذا لو سحبنا هذا المثل على وزارة التربية والتعليم التي تتبعها أعداد من المدارس والمرافق المنتشرة في كل المحافظات بما يفوق مرافق الداخلية بأضعاف أضعاف، ثم ماذا لو سحبنا المثل على جميع الوزارات واحدة واحدة!؟
إن تغيير المحافظين عملية معقدة جدا وشائكة. وضبط القضية على هذه الصيغة يتطلب حسابات كثيرة ودقيقة، ويبدو أن هذا هو سبب تأجيل هذه الخطوة فوق كونها ورقة مدخرة لا حاجة للعب بها في الوقت الحالي!!.
هل تستمر أسباب التوافق الذي حظي به الرئيس؟
لقد كان عبدربه منصور هادي حلا مقبولا من قوى الثورة كرئيس توافقي تبعا لكونه بعيدا من عائلة صالح، وكذا لأنه لم يظهر خلال فترة الثورة مؤيدا لصالح، ولا مبررا لعمليات القتل والقمع التي تعرض لها المتظاهرون والمعتصمون، ولا ظهر معه في أي من اجتماعاته برموز نظامه وأعوانه، ولاعتبارات أخرى ليس المقام للاسترسال فيها.
وكان حلا مقبولا -في ذات الوقت- من جهة العائلة، وإن قبلته مجبرة بعد رفض دام طويلا، وذلك تبعا لكونه غير محسوب على الثورة، ولن يمثل صعوده انهزاما لهذه العائلة أمام الثورة، وكذا لأن تقديراتها ذهبت -ذلك الحين- إلى الاعتقاد بإمكانية السيطرة عليه واستخدامه كقفاز ليدها «المحروقة» تمسك به السلطة «إلى حين ميسرة»!!
ويتقبل الطرفان (العائلة وقوى الثورة) قرارات الرئيس المتتابعة، ولكل منهما حساباته، وإن كانت العائلة لا تزال تتمرد على بعض هذه القرارات.
ويقوم الرئيس هادي بالإزاحة التدريجية لرموز العائلة، مستفيدا من أمور أولها تأييد عامة الشعب لقراراته المتعلقة بهؤلاء الرموز، وهو التأييد الذي يقوم على نظر الناس إلى نصف الكأس دون النصف الآخر، أي ينظرون إلى قراراته من الزاوية الإيجابية التي يُزاح بها رموز العائلة، ويغضون الطرف عن مواصفات البديل وما إذا كان سيترتب على هذه الطريقة في التغييرات مستقبل صحيح آمن مستقر أم لا..؟
وثانيها هو ما يحصل عليه من مساندة إقليمية ودولية، واعتبار أن كلمته هي الكلمة الفصل، وهذا أمر طبيعي. وقد أكد سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بصنعاء لدى لقائهم برئيس الجمهورية الثلاثاء الماضي (30 مايو)، أكدوا حق الرئيس هادي في اتخاذ القرارات وتهددوا من يعرقلها. وقال السفير البريطاني لجريدة الراية الكويتية -بحسب الصحوة موبايل يوم الاثنين من الأسبوع الماضي (29 مايو): «الرئيس هادي هو من يقرر من يخرج عن أوامره ويعيق جهوده ونحن فقط ندعم قراراته».
وأما الثالث فهو موقف قوى الثورة ممثلة بنخبها الحزبية وناشطيها، وهي القوى المضطرة إلى تأييد قراراته لأن هذه القرارات تزيح رموز العائلة، وهذه القوى مضطرة -في نفس الوقت- لالتزام الصمت إزاء المعينين كبدلاء.
وتدرك هذه النخب الممثلة للثورة في خطها السياسي أن اعتراضها على البدلاء سيعني إحجام الرئيس هادي عن عملية التغيير، وهو ما سيعني استمرار بقاء رموز عائلة صالح وتوالي ما يترتب على بقائهم من تبعات سلبية على البلاد.
ومعرفة الرئيس هادي بهذه النقطة تجعله واثقاً من نفسه وقادراً على المضي في اتجاه إعادة بناء النظام بهذه الطريقة التي نتابعها جميعا. فالعائلة غير قادرة على الرفض غالباً، وقوى الثورة مجبرة على التأييد دائماً، والقوى الإقليمية والدولية تشعر بالارتياح الكبير إزاء ذلك. ولقد وصلت الأطراف الخارجية مبكرا وخلال الأشهر الأولى من عمر الثورة إلى قناعة بأنه لا مجال لبقاء صالح ورموز عائلته، فاتخذت قرارها باتجاهين: التخلي عن العائلة، وعدم السماح لصعود المعارضة والحيلولة دون بناء الدولة المدنية التي تنشدها الثورة.
والطريقة التي تجري بها عملية التغيير في الوقت الراهن، كأنها توفق لهذه الأطراف الدولية بين طرفي المعادلة وتمكنها من السير في الاتجاهين المرسومين.
وبما أن انقسام الجيش يجعل احتمال نشوب الحرب الأهلية احتمالا واردا، فهذا -بالطبع- يحفظ للرئيس هادي استمرار التأييد الشعبي، تبعا لأن الجميع يخشى هذه الحرب وإن كانت نتائجها محسومة، ويحفظ له -أيضا- التأييد الإقليمي والدولي الذي وضع الحيلولة دون وقوع هذه الحرب هدفا أولاً بالنسبة له.
وطالما أن هذا الانقسام في الجيش هو مصدر تأييد الشعب للرئيس هادي، وهو سبب ما يحصل عليه الرجل من تأييد داخلي وخارجي في قيامه بعمليات التغيير وفق الطريقة التي يتبعها الآن، فمن المستحيل أن يعمد -على المدى المنظور- إلى خطوات عملية وحقيقية باتجاه الهيكلة وإنهاء انقسام الجيش.
ويبدو أنه في عملية بنائه للنظام -وفق رؤيته- سيظل يستخدم هذا الانقسام كقوالب خشبية وحديدية يصب فيها الإسمنت ويتعهدها بالرعاية والاهتمام، ثم يزيلها ويرميها عندما يجف الإسمنت!!
وبتعبير أكثر وضوحا: سيظل يبني نظامه مستفيدا من تداعيات هذا الانقسام إلى أن يثق أن قواعد بنائه أصبحت مكتملة وقادرة على أن تحمل السقف، فساعتها يمكن أن يبدأ بعملية الهيكلة!!
وتشترط اللجنة التنظيمية للثورة أن تكون الهيكلة هي الخطوة الأولى وأن تكون سابقة للحوار الوطني، وذلك لإدراكها أن عملية التغيير الحقيقي نحو بناء الدولة المدنية لن تنجح إلا بعد الهيكلة. لكن العكس هو الحاصل الآن وبدعم من الأطراف الخارجية فيما يبدو. وهناك فرق بين أن تكون الهيكلة هي الخطوة الأولى التي تنبني عليها عملية التغيير التي سيشارك فيها جميع الأطراف، وبين أن تكون الخطوة الأخيرة التي تأتي بعد الانتهاء من عملية التغيير التي نفذها طرف واحد!!
قرارات الرئيس.. تقرب الدولة المدنية أم تبعدها..؟
ساحات الحرية والتغيير لا تزال قائمة وبزخم لا يقل عن وضعها الذي كانت عليه قبل الانتخابات الرئاسية، وشارع الستين بالعاصمة -كنموذج ورمز- ما زال رحب الصدر لم يضق بزواره الذين ينزلون عليه نهار كل جمعة ويؤدون الصلاة عنده.
ولا يرى أبناء الشعب الثائر أنهم حققوا من ثورتهم سوى إسقاط صالح وبعض رموزه، فيما لا تزال بقية الأهداف بعيدة المنال، والمؤشرات المتتالية تؤكد لهم أن الطريقة التي تجري بها عملية التغيير الحالية تباعد بينهم وبين الدولة المدنية التي خرجوا من أجلها، وليس العكس.
ولهذا تتململ الساحات بين وقت وآخر، ولا تكف عن المسيرات وتكرار عبارات ودعوات التصعيد الثوري. والتصعيد الثوري هو -وحده- القادر على فرض الخيارات الصحيحة في عملية التغيير الجارية، لكن هذا التصعيد لا يبدأ حتى ينتهي، ولا يقف حتى ينحني. وفي حين يلمس الجميع مستوى الاحتقان في الساحات ويدركون أسباب المسيرات والتظاهرات، لكن الجميع لا يكادون يعرفون -على وجه الدقة- أسباب التراجع والإحجام عن التصعيد بعد كل دعوة إليه والشروع فيه!!
تُتهم الأحزاب السياسية في اللقاء المشترك ومن انضم إليها من قيادات المؤتمر الشعبي وقيادات كثيرة انضمت للثورة بأنها أثرت على الثورة سلباً، وأنها تحكمت في الساحات، وأنها ألجمت الفعل الثوري وحالت بينه وبين تحقيق أهدافه، والحقيقة التي يشهد بها الأغلبية في الداخل والخارج تقول العكس، أي تؤكد على الأثر الإيجابي والمتميز لحضور هذه الأطراف في الثورة. وقد كان الإقبال على الانتخابات الرئاسية دليلا واضحاً على هذه الإيجابية، ودليلا فاضحاٌ لمن يقول بخلاف هذا.
لم تتسبب هذه الأطراف في شيء من ذلك الأثر السلبي طيلة أشهر الثورة حتى انتخابات الرئاسة في 21 فبراير، لكنها مع الأسف: قد تتورط في ذلك الآن!!
ربما تفكر هذه الأطراف بتداعيات التصعيد الثوري في هذه المرحلة، فالأمن المركزي وبلاطجة صالح لا يزالون منتشرين في المدن، وبالتأكيد أن المسيرات ستتعرض للقمع، وقطعا لن يكون وزير الداخلية ورئيس الوزراء في منأى عن التبعات.. القاعدة انتشرت على رقعة كبيرة في المحافظات الجنوبية ودخلت على المناطق الشرقية كالبيضاء وهناك لجوء إلى محافظات الصحراء المجاورة، وفي حال انشغال الرئيس ودولته بالفعل الثوري فإن هذه العناصر قد تزداد قوة وانتشارا.. الحراك المسلح خرج بكل عدته وعتاده وقد يفرض سيطرته على مناطق هنا وهناك.. الحوثي سيعاود التمدد المسلح في المناطق المجاورة وبشكل أكثر شراسة.. إلى آخر هذه الحسابات السياسية.
ومن يتأمل في هذه الحسابات وغيرها يجد أنها صحيحة، ويخفى على هذه الأطراف -مكونات أو أشخاصا- أن الصحيح أيضا أن هذه الحسابات هي ذاتها الحسابات التي ظلت تراود قيادات المؤتمر الشعبي المنظمة إلى الثورة وتمنعها من مجرد مغادرة مربع السلطة، وهي ذاتها التي ظلت تراود الأحزاب طيلة عقود وتمنعهم من تبني ثورة شعبية، بل تمنعهم من مجرد الخروج إلى الشارع بهدف الضغط من أجل الإصلاح السياسي، وكل اليمنيين يتذكرون كم ظلت أحزاب المشترك تهدد -في سنوات ما قبل الثورة- بالنزول إلى الشارع لكنها لم تفعل شيئا من ذلك سوى الهبة الشعبية التي نفذتها مطلع فبراير من العام الماضي، وهي الهبة التي سبقتها ومهدت لها وشجعتها ثورة في تونس، وأخرى في مصر، واختلطت بها بدايات الثورة في اليمن، فكيف لو لم يسبقها ثورتان في تونس ومصر ولم يتزامن معها بدايات ثورة في اليمن!؟
وهنا نتساءل: هل استمرار عملية التغيير على الوتيرة الحالية يعني أن البلد يمضي إلى شاطئ الأمان وأنه لا يوجد شيء من تلك المخاوف المتعلقة بالقاعدة وتيار الانفصال المسلح وتمدد الحوثي بالقوة والعنف، أم أن هذه المخاوف هي اليوم أكثر وأوضح منها في حال التصعيد الثوري!؟
هذا بالنسبة للقاعدة والحوثية والانفصاليين، أما بالنسبة لمن قد يكون البعض يخشى أن يجلب عليهم المتاعب من الوزراء ورئيس الوزراء في حال حدث قمع للفعل الثوري، فلماذا -إن صح أن هذه الخشية موجودة- لا يتحمل هؤلاء مسؤولياتهم، أو لماذا لا يستقيلون قبل أول حادث اعتداء على المتظاهرين أو بعده ويخرجون بالحقيقة إلى الرأي العام؟ ما الصعب أو المشكلة في أن يفعلوا هذا أو ذاك، أو فليسقطوا إذن!؟ والمنطق العقلاني والبسيط جدا يقول إنه إذا كانت الثورة في كفة وحكومة الوفاق في كفة فلتذهب حكومة الوفاق برمتها إلى الجحيم!!
وكم هو مثير للعجب أن نرى صالح ورموز نظامه يسيرون بمرونة ولياقة القطط، فهم يوافقون على المبادرة وهم يرفضونها.. هم أول من يرحبون بقرارات الرئيس وهم يتمردون عليها.. يُحملون المعارضة وقوى الثورة كل فشل أو عجز في أداء الحكومة وهم مشاركون بنصف هذه الحكومة، بل ويمسكون بكل مواقع القرار والأداء في النصف الآخر من الحكومة، وذلك فضلا عما لديهم من أجهزة الدولة.. يدعمون القاعدة ويتدفق إليهم الدعم الدولي المخصص لمكافحة الإرهاب.. يدعمون تيارات العنف من الانفصاليين والحوثيين ويتسلمون -ما شاء الله- من الدعم السعودي..
كل ذلك وغيره من قبل عائلة صالح رغم التضييق عليهم فيما قوى الثورة وفي مقدمتها الأحزاب السياسية تمضي كالضباع غير القادرة -أثناء المشي- على الالتفات يمنة أو يسرة لولا أن الضباع شرسة مفترسة وهذه أليفة وديعة!!
إن كثيراً من هؤلاء الساسة لم يتعلموا أن الثورة كالسيل، إن أعددت له طريقاً فبها ونعمت، وإن لم تعد له طريقا فسوف سيشق طريقه بنفسه.
وأعود أخيرا لأكرر: قناعتي أن هذه المكونات والشخصيات لم تتسبب في أي أثر سلبي على الثورة حتى انتخابات الرئاسة في 21 فبراير، لكنها مع الأسف الشديد: قد تتورط في ذلك الآن!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.