على الرغم من كل الصعوبات التي ما تزال تعترض طريق المبادرة الخليجية وآليتها التفيذية, إلاّ أنه يمكن القول أنها حققت بعض النتائج الايجابية, أهمها إقصاء صالح من السلطة وعزله وعائلته سياسياً, وجعلهم يقفون منفردين في مواجهة المجتمع الدولي, بما في ذلك جيران اليمن بالطبع. وعبر المبادرة والضغوط الدولية المؤازرة لها بدأت عملية نزع عائلة صالح من السلطة, وتقليم أظافرها, حيث نجحت أخيراً الجهود الدولية بقيادة المبعوث الأممي جمال بن عمر وسفراء الدول الراعية للمبادرة في إرغام محمد صالح الأحمر على إنهاء تمرده وتسليم القاعدة الجوية لخلفه. علاوة على ذلك, كان من نتائج اتفاق نقل السلطة تسرب الخلافات, أو الصراع السياسي إن صح التعبير, إلى أروقة حزب المؤتمر ليشهد إنقسامات وتباينات بشأن مستقبله السياسي مع أو بدون صالح. بالإضافة إلى بروز خلافات في أوساط عائلة صالح نفسها- وإن كانت ما تزال طفيفة, إلاّ أن تسليم محمد صالح الأحمر للقاعدة الجوية وإذعانه لقرار عزله سيفاقمها- وهو خلاف أخذ يتنامى حول كيفية التعامل مع الرئيس هادي وقراراته التي تهدف إلى تحجيم دور العائلة, وإنهاء دورها العسكري والسياسي. على أن ما ذكرناه آنفا لا يعني بالضرورة أن المبادرة كانت إيجابية بالجملة, وأنها لم تتضمن عيوب وثغرات ساعدت بشكل أو بآخر على إطالة عمر النظام السابق, وفتحت الأبواب على مصراعيها للأدوار الخارجية على نحو لم يشهد له اليمن مثيلاً من قبل. حياكة المؤمرات لم يكتفِ صالح وعائلته باعلان تمردهم على رئيس الجمهورية, بل شرعوا كعصابة لصوص محترفة في نهب مخازن السلاح من القاعدة الجوية ومعسكرات الجيش الخاضعة لسيطرتهم, وتكديسها في منطقة سنحان مسقط رأس العائلة. وتشير التقارير إلى أن صالح يقوم بتوزيع جزء منها على جماعات القاعدة (المفترضة) والجماعات المسلحة في شمال البلاد وجنوبها, بما في ذلك الحراك الانفصالي المسلح. وتذهب المصادر إلى أن صالح ما يزال يحتفظ ببعض الأوراق المزعجة لمواجهة الرئيس هادي وخطة الهيكلة, من بينها, العمل على تفجير الوضع مجدداً في أرحب, وربما أيضاً الحصبة ومناطق أخرى, وفي هذا السياق تحدثت أنباء عن استقدام قوات إضافية إلى العاصمة, وتسليح بلاطجة ونشر قناصة. هذا إلى جانب توثيق التحالف مع الجماعات الإرهابية المسلحة في الشمال والجنوب وتسليمها مواقع ومعدات عسكرية جديدة, وكذا تطعيم قوات الجيش الموالية للعائلة بمئات العناصر من تلك الجماعات المتطرفة لتمثل عائق إضافي أمام مشروع الهيكلة, ولتثير فيما بعد أعمال فوضى وتمرد حال اقتربت الهيكلة من الرؤوس الكبيرة في عائلة صالح. وتتخوف أوساط سياسية من احتمال قيام العائلة بتنفيذ عمليات إغتيال وتصفيات واسعة النطاق- كما يجري حالياً لعدد من ضباط الأمن السياسي- لشخصيات سياسية وعسكرية معارضة, بما فيها شخصيات محسوبة على النظام السابق تعارض سياساته. ومن غير المستبعد كذلك استهداف الشخصيات والمصالح الأجنبية في البلاد وعلى رأسها المصالح النفطية, لإرباك الرئيس هادي وإنهاك حكومته, وتصفية الحسابات مع تلك الأطراف الخارجية التي يرى صالح أنها خذلته رغم خدماته الكبيرة لها. وفي سياق تحريك الأوراق واللعب على تناقضات الوضع اليمني أشار موقع(عدن أونلاين) إلى وثيقة خاصة قال بأنها سُربت من داخل القصر الرئاسي تحمل تاريخ يسبق الانتخابات الرئاسية المبكرة بأسابيع, وتحدثت عن توزيع مبلغ عشرين مليار ريال (مائة مليون دولار) تم تقسيمها على النحو التالي:عبد الملك الحوثي أربعة مليارات ريال, علي سالم البيض ستة مليارات ريال, أنصار الشريعة سبعة مليارات ريال, إعلام المؤتمر ثلاثة مليارات ريال. وبحسب الموقع, فقد نصت الوثيقة المسربة على أن مهمة علي سالم البيض وأنصاره تتمحور في الأمور التالية: التوجه الواضح والمعلن باتجاه إيران, وفتح باب التواصل بين شباب الحراك الموالين له والجانب الإيراني من خلال إرسال مجاميع من شباب الجنوب إلى بيروت وطهران في دورات تدريبية على السلاح وحرب العصابات ودورات في الإعلام, وذلك لكي تصل الرسالة إلى المملكة السعودية بأن رحيل علي صالح عن الحكم يعني وصول إيران إلى خطوط التماس مع المملكة، وعلى المملكة أن تختار إما بقاء نظامه بعلّاته، وإمّا أن تنتظر وصول اليد الإيرانية إلى رقبتها والإطباق عليها. بالإضافة إلى فتح علاقات وثيقة وتبادل الزيارات بين العناصر التابعة للبيض وعناصر الحوثي وفتح مراكز تدريب لتلك العناصر لتأكيد الرسالة الموجهة للسعودية بأن سقوط نظام المخلوع يعني انتشار المذهب الشيعي وسيطرة إيران على المحافظات الجنوبية. وكانت صحيفة الشرق السعودية قالت في إحدى افتتاحياتها (19 أبريل) إن تصعيد تنظيم القاعدة في اليمن واختطاف نائب القنصل السعودي بعدن يأتي بالتزامن مع التصعيد ضد المبادرة الخليجية التي رعتها المملكة لحل الأزمة اليمنية, ورفض أقارب صالح التخلي عن مناصبهم وامتيازاتهم، ومحاولة إفشال مهمة الرئيس هادي، وإثارة الفوضى في اليمن. وأضافت الصحيفة أن صالح نفسه متهم بالعلاقة مع تنظيم القاعدة المرتبط بإيران, التي ما برحت تثير الاستفزازات تجاه دول مجلس التعاون. إلى ذلك, هدد صالح عقب إنهاء أخيه لتمرده وتسليمه القاعدة الجوية, بسحب الثقة من حكومة باسندوة, كإجراء إضافي يعتقد أنه يستطيع من خلاله وقف تقدم خطة الهيكلة باتجاه بقية العائلة, وهو إجراء لوّح به من قبل, لكن الرئيس هادي واجهه بالتهديد بحل البرلمان وتشكيل حكومة وفاق جديدة. وفي حال نفذ صالح تهديده بسحب الثقة من الحكومة فسيعد ذلك أكبر خطأ يرتكبه ليس بحقه وحسب, بل بحق المؤتمر كذلك, فقرار كهذا لن يثني من الناحية العملية الرئيس هادي والحكومة والمجتمع الدولي عن المضي قُدماً في استكمال عملية توحيد الجيش وإنهاء إنقسامه عبر خطة الهيكلة التي يبدو أن عجلتها دارت بالفعل, وبالتالي فخيار حل البرلمان سيكون الرد الأنسب لحل معضلة الأغلبية التي يهدد بها صالح, وإذا ما أعلن الرئيس هادي حل البرلمان المنتهية صلاحيتة أصلاً, فإنه بذلك سيكون قد شطب 50% على الأقل من قوة ونفوذ المؤتمر, وسيعود الفضل في ذلك لصالح!! الصراع مستمر فيما أشارت صحيفة لوس انجلس الأمريكية الى أن واشنطن تضغط على هادي للتخلص من العديد من أقارب صالح الذين ما زالوا في مناصب رئيسية في أجهزة الجيش والأمن, وأن يشن حملة عسكرية جادة لاستعادة بعض المناطق في الجنوب, كشفت مصادر محلية عن تهديد صالح بإعادة أحداث يناير 86م الدموية في صنعاء. في الوقت الذي ما تزال صفقات أسلحة جديدة تصل إلى أيدي العائلة. وما تقوم به العائلة من استفزازات من شأنها أن تضع الرئيس هادي في مواجهه مفتوحة معها مستقبلاً, وتدفع به إلى خطوط النار الأمامية في مواجهة حتمية مع العائلة, بعدما أمسى عدوها الأول. معركة الرئيس هادي تتمثل اليوم بدرجة أساسية في استعادة الدولة المختطفة من قبل معسكر صالح وعصاباته الإجرامية. وقراراته الأخيرة تصب في اتجاه محاولته تفكيك بنية العائلة ومراكز القوى المرتبطة بها, وتجريدها من مصادر قوتها. إلاّ أنه يواجه ممانعة شديدة من قبل العائلة المتسلحة بالقوة والمال والنفوذ, والمتسلحة كذلك بعصابات إرهابية جرى استنباتها في غفلة من المجتمع وقواه السياسية. قرارات الرئيس هادي بإقصاء قيادات العائلة توحي بأن الرجل مصمم على ممارسة دوره كرئيس منتخب, متخطياً قيود حزبه, وحواجز الخوف العائلي. بيد أن المؤشرات تنبئ بأن العائلة ستظل تقاوم, وستعمل على تسخير حزب المؤتمر للنيل من الرئيس هادي ومشاغلته, وإحباط مشروع التغيير الذي يقوده بدعم خارجي كبير. لكن المعركة الأهم التي سيخوضها صالح وعائلته في الفترة المقبلة ستكون ذات شقين, سياسي وعسكري. في الشق الأول ستكافح العائلة للاحتفاظ بقيادة حزب المؤتمر كواجهة لتسويق نفسها ومشروعيتها المزعومة, وقد شرعت للدفع ببعض القيادات المؤتمرية لترشيح أحمد علي رئيساً للمؤتمر خلفاً لوالده. ومن المحتمل أن يواجه مثل هذا الأمر ممانعة داخلية وخارجية كبيرة, ومن المحتمل كذلك أن ينجح جناح هادي داخل المؤتمر في إحباط ذلك المخطط. في الشق الثاني (العسكري) ستعمل العائلة على استزارع الفوضى, وإذكاء بؤر التوتر شمالاً وجنوباً, وستجهد لإقصاء اللواء علي محسن الأحمر, والتمسك بدور أساسي لنجل صالح وأبن أخيه يحيى في قيادة الجيش. والهدف البعيد من ذلك هو استهلاك المرحلة الانتقالية إلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2014, ليتمكن حينها نجل صالح من الترشح للرئاسة وهو في موضع قوة. هذا ما يتضح من خلال ما تبديه العائلة من استماتة في الاحتفاظ بمراكزها داخل الجيش ومقاومتها للتغيير. إلاّ أن هذا المشروع سيصطدم حتماً بشباب الثورة, وبالمبادرة نفسها التي منحت الحصانة مقابل التنحي من السلطة. كما سيصطدم كذلك بالمصالح الدولية والإقليمية, التي بات أصحابها يدركون بأن مصالحهم مرتبطة بأمن واستقرار اليمن, الذي أضحى يمثل جزءاً مهماً من استقرار المنطقة والعالم..