على طريقة غزوات القاعدة المعهودة, من غزوة مانهاتن ونيويورك الشهيرة (11 سبتمبر 2001) إلى غزوة دوفس- أبين (مارس 2012), شنّت عائلة صالح هي الأخرى بقيادة محمد صالح الأحمر, قائد الدفاع الجوي المقال, غزوة سريعة وخاطفة على مطار صنعاء الدولي (7 أبريل الفائت), لتبرهن للعالم على أنها لاتختلف كثيراً عن عصابات الإرهاب تلك, وبخاصة عصابات الإرهاب في اليمن التي خرجت بالأساس من تحت عباءتها وتربت على أعينها. وأثبتت هذه العائلة بأنها الوجه الآخر للإرهاب المصطنع في اليمن. الإرهاب الذي مازالت تستخدمه حتى اليوم كورقة ضغط وفزاعة إبتزاز, لتحقيق مآربها الدنيئة, وإن كان على حساب مصالح أمّة ووطن. ماذا يريد العالم- وبخاصة الولاياتالمتحدة وحلفائها- أكثر من هكذا دليل على إنغماس صالح وعائلته في الإرهاب؟ يذهب الأمريكيون للقول- بحسب وثائق ويكيليكس- إن لديهم قناعات راسخة بتواطؤ نظام علي صالح السابق مع جماعات الأرهاب في اليمن, لكن الأدلة في هذا الجانب شحيحة على حد وصفهم. وعلى الرغم من أن اليمنيين لا تعوزهم الأدلة في هذا الجانب, كونهم يرون ويلمسون ويعانون بشكل دائم من إرهاب علي صالح وبلاطجته وجماعاته الإرهابية المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها, إلاّ أن غزوة مطار صنعاء الدولي التي نفذتها العائلة الإرهابية على طريقة عصابات الإجرام والإرهاب, قدمت دليلاً إضافياً لا مراء فيه على حجم تورطها وممارستها للإرهاب واحترافها له. فماذا يريد الغرب أكثر من ذلك دليلاً على الممارسات الإرهابية لهذه العائلة؟ غزوة مطار صنعاء الإرهابية كشفت بجلاء حجم التهديد الذي يمثله نظام صالح العائلي المتهاوي ليس على المصالح اليمنية وحسب, بل والمصالح الدولية كذلك, وإذا استمر الحال كما هو عليه دون ممارسة المجتمع الدولي ضغوطاً قوية لإخراج صالح من البلد, والبدء في إعادة هيكلة الجيش على وجه السرعة طبقاً لاتفاق نقل السلطة, فإن الوضع قد يسوء ويتفاقم, بما يهدد بانفجاره في أية لحظة, وهو ما سيقود بالتالي إلى إحباط جهود عملية التسوية السياسية الرامية إلى استكمال نقل السلطة, والإضرار بمصالح اليمن وأصدقائه. إن الأوضاع حتى هذه اللحظة ما تزال في نطاق المعالجات الممكنة التي من شأنها تجنيب البلد الإنزلاق نحو الفوضى والإضطرابات السياسية, شريطة مساندة الرئيس هادي وحكومة الوفاق, في تحييد العائلة وإخراجها من المعادلة السياسية بعد حصولها على الحصانة التي تقضي بالضرورة ترك السلطة وعدم مزاولة العمل السياسي. السلوك الإرهابي والإجرامي المشين لعصابة صالح وعائلته, وتجذر ثقافة الفيد واستباحة ممتلكات الشعب كممارسات يومية لهذه العصابة الإجرامية التي أنهكت اليمن ودمرت قدراته طيلة 33 عاماً, تَبَين بجلاء من خلال قيام قائد الدفاع الجوي المقال محمد صالح الأحمر بنهب مخازن القاعدة الجوية (قاعدة الديلمي) وإفراغ محتوياتها من الأسلحة والمعدات ونقلها إلى مكان مجهول, وكأنها مِلكية خاصة! وهو الشيء نفسه الذي تعوّد صالح على فعله طوال سني حكمه, آخرها قيامه بإفراغ الوزارات وتصفيرها قبل مجيء حكومة الوفاق, ونهب ما بداخل القصر الرئاسي قبل تسليمه للرئيس هادي, وتهريب المليارات من العملات الصعبة من أموال الشعب, والقائمة تطول. بيد أن خطورة ما جرى في قاعدة الديلمي بصنعاء يكمن في أن تلك الأسلحة المتطورة التي نُهبت من مخازنها ستجد طريقها بسهولة للجماعات الإرهابية المسلحة, التي باتت تقاتل جنباً إلى جنب مع أطراف النظام السابق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وذهب عسكريون يمنيون إلى التحذير من إحتمال قيام عصابة المخلوع صالح بتسليم مطار صنعاء الدولي لعصابات القاعدة المزعومة التي ليست في الواقع سوى رديف لعصابات النظام السابق, ولسنا بحاجة للتذكير هنا بما جرى من قبل في الجنوب وفي الشمال من تسليم مدن ومعسكرات بأكملها وأسلحة وعتاد عسكري مهول لعناصر الإجرام والفوضى صنيعة النظام الإرهابي العفاشي. لقد أرادت العائلة من خلال تحدي قرارات الرئيس هادي اختبار صبر المجتمع الدولي وجديته في تنفيذ المبادرة الخليجية حتى نهايتها, كما سعت كذلك لوضع شجاعة الرئيس هادي على المحك, إلاّ أن النتائج كانت مخيبة لآمالها, فالرئيس هادي بدا أكثر شجاعة مما أعتقدت العائلة, وخرج أقوى من ذي قبل, في حين احتشد المجتمع الدولي ضد التصرفات الرعناء للعائلة التي وجدها تمس بمصالحه, وأصطف إلى جانب الرئيس هادي معلناً تأييده اللامحدود لقراراته كونها تصب في صلب المبادرة, وتُسهم في حلحة الوضع المتأزم وخروجة من حالة الركود السياسي, ذلك أن أهمية نجاح المبادرة لا تتعلق فقط بمستقبل اليمن وإنما المنطقة بأكملها, بحسب صحيفة الوطن السعودية. ولا شك أن حادثة المطار ستقنع الأطراف الخارجية الراعية للمبادرة بضرورة الإسراع في خطوات إعادة هيكلة الجيش, بعدما تبين لها خطورة بقائه منقسماً وخارج سيطرة الرئيس هادي. وبذلك يكون بقايا النظام العائلي قد قدموا خدمة مجانية لخصومهم في تعزيز رأيهم القائل بضرورة تنحيهم عن مواقعهم القيادية, ودحض كل الذرائع التي ُطُرحت من قبل لإرجاء خطة الهيكلة, سواء تلك المتعلقة بما أشيع عن الاحترافية الكاذبة, أو تلك التي لها علاقة بما قيل عن دور مزعوم للعائلة في محاربة ما يسمى بالإرهاب. غزوة مطار صنعاء الدولي من قبل عصابة "عفاش" كان خطأً جسيماً لم يُعمل حسابه, وهو بلا ريب ناجم عن سؤ تقدير, وحالة إرباك واقع فيها صالح وعائلته, بما يعكس عدم مقدرتهم على التعامل مع الوضع السياسي الجديد الذي يقوده الرئيس هادي بوصفه رئيساً- منتخباً- للجمهورية, لا نائباً لرئيس المؤتمر الشعبي العام. هذا الإرباك بدا كذلك في تعاطي المؤتمر مع ما حدث, ففي الوقت الذي ذهب يعلن على استحياء عدم معارضته لقرارات الرئيس هادي, إلاّ أنه أشار أيضاً إلى عدم تشاور الرئيس مع المؤتمر وأحزاب التحالف كطرف أساسي في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، أو التوافق حول أي من تلك القرارات, مضيفاً, بأنه ليس هناك تفويضاً لأحد, حد وصف البيان!! متغافلاً بأن الرئيس هادي يستند إلى شرعية شعبية إنتخابية معززة بحوالي سبعة ملايين ناخب منحوه ثقتهم, وبالتالي فهو ليس بحاجة للتشاور مع المؤتمر أو أخذ تفويض منه لإصدار قراراته. أما عبده الجندي, فقد ذهب بعيداً حينما أخذ يمنّ على الرئيس هادي ووزير الدفاع بأن المؤتمر هو من أوصلهما إلى هذا المنصب!! وأن هادي هو رئيس توافقي على حد تعبيره, ويقف على مسافة واحدة ولا بد أن يحرص على أن لا تكون مثل ردود الأفعال التي حصلت. وهو بذلك يحاول جذب الرئيس هادي والإبقاء عليه تحت وصاية المؤتمر, ويتعدى الأمر ليأخذ شكل تهديد مبطن للرئيس هادي بأن المؤتمر قادر, إذا شاء, على إفشال التسوية السياسية التوافقية, أو الإنسحاب منها وإعادة إختيار رئيس توافقي جديد بحسب ما يظنون! ما لم فإن باستطاعتهم تحجيم دور الرئيس وتقليص صلاحياته, وهذا ما ذهب إليه الجندي حين اقترح- في مقالة صحفية- إنشاء مجلس رئاسة توافقي لإدارة شئون البلاد, ما يعني بالنتيجة إلغاء نتائج العملية الانتخابية, ومصادرة شرعية الرئيس هادي, وعودة تسلط المؤتمر ومن ورائه صالح وعائلته. بيد أن مثل هذا الأمر صار بعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً, فهو يتعارض مع المبادرة الخليجية, فضلاً عن كونه يقوض جهود نقل السلطة, ويعيد العملية السياسية إلى نقطة الصفر, وهذا أمر فات آوانه, وغدا شيئاً من الماضي الذي لا يمكن بحال العودة إليه.