قانون صراع الأضداد، وقانون نفي النفي، وقانون التغيرات الكمية إلى نوعية.. ثلاثة قوانين جدلية يقوم عليها المسار التاريخي الهيجلي..! أما الحرية في حركتها التاريخية تقوم في الفلسفة الهيجلية على مبدأ الروح من مراحلها البدائية صعوداً نحو الروح المطلق..! إن الروح عند هيجل هي التاريخ، وهي كشف الإلهي ولجوهر المطلق في الوجود البشري والطبيعي.. هذه الروح هي التي توحد بين الذات والموضوع، فيصبح الواقع الموضوعي ظاهر الذات الباطنة والروح الذاتية باطن جوهر الواقع الموضوعي. ومن خلال هذه الوحدة بين المتناقضات والأضداد، الذات والموضوع، المتناهي واللامتناهي, الفكر والمادة, وغيرها من المتناقضات استطاعت الفلسفة الهيجلية وكل الفلسفة المثالية أن تجد حلاً لقانون صراع الأضداد..! إن هذه الروح التاريخية لا وجود لها إلا في فلسفة هيجل وفي رأس المدرسة المثالية للتفكير.. وهي الروح التي تعمل على إلغاء الواقع الحسي بكل معطياته ودلالاته.. ولا وجود للواقع خارج الروح..! ومن يقرأ تاريخ المجتمعات الحديثة، والتاريخ الجرماني تحديداً سيجد ألا وجود لهذه الروح التاريخية، وأن من يغمض عينيه عن الحقيقة سيرى بأنه دائر لا محالة في فلك التعصب والعرقية والشوفينية..! ولعل استحضار أية واقعة تستلزم دراسة الدوافع السياسية والاقتصادية المحرضة لتلك الواقعة التاريخية دون اللجوء إلى الجانب الروحي للواقعة، وإن تم اللجوء إلى الجانب الروحي، فالروح هنا مادية وليست غيبية..! إن التاريخ هو صراع، وهو ناتج جمعي يشترك فيه كل الأفراد، وحلبة صراع لكل الفئات والطبقات؛ من أجل تلبية حاجاتها المادية والمعنوية، وليس لتجسيد فكرة أو مفهوم مجرد..! أعتقد إذاً أن مفاهيم النظرية الحدسية تجاه التاريخ مفاهيم خاطئة تحتاج إلى مراجعة..!