انتشر الفساد في البر والبحر والجو أفقياً وعمودياً في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي إدارات ومؤسسات الدولة عبر مجموعة من الأشخاص الغارقين بالفساد والذين تركو وخلفوا وراءهم نظاماً اقتصادياً وإدارياً متخلفاً لا يحقق شيئاً لليمنيين وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل إلا عبر أولئك الفاسدين أنفسهم فقط الذين لايزالون يتربعون على قمم المسئوليات في البحث عن وساطة أو توجيه من أحد الفاسدين والمتنفذين أو من أحد زعماء القبائل من العيار الثقيل لاستعادة تلك الحقوق المسلوبة والمنهوبة أو للحصول على وظيفة يعتاش منها. لقد أدرك كثير من المسئولين والقيادات الإدارية بأنهم قد وصلوا لمناصبهم عن طريق الانتماء السياسي والحزبي أو بالوساطات وغيرها من وسائل الفساد والمحسوبيات والنفوذ العشائري، وليس بالمؤهلات العلمية والكفاءات بجعلهم في أعمالهم يحرصون على أرض الفاسدين من الالتزام بالقواعد والطرق المسلكية والإدارية التي تجلب لهم المنافع ونهب أموال الوطن والمواطنين في اتباع واختيار هذه الطرق لتلك القيادات الإدارية وفقاً لتلك المعايير التي سوف تخلق فساداً أكبر وظلماً لهم وتنافساً حزبياً ومناطقياً سلبياً عنيفاً للسباق على تلك الوظائف من خلال التصارع عليها من وراء الكواليس للوصول لتلك الغايات والمناصب لجني ثمارها لصالحهم الشخصي دون حساب الصالح العام أو دون قياس الكفاءات أو الاهتمام بأبسط قواعد المهنية للإدارة الكفوءة والأداء السليم الذي سوف يشل ويدمر معنويات العاملين في تلك المؤسسات خصوصاً الأشخاص الذين لا يرغبون في التوسط أو أخذ مواقف سياسية أو حزبية أو عشائرية أو غيرها التي تتعارض مع قناعاتهم ورغباتهم الشخصية. إن انعدام الصلة بين الرئيس والمرؤوس سوف يؤدي حتماً إلى عدم وجود توافق وثقة وانسجام مقبول ومرن بين رؤساء تلك المؤسسات والقيادات الإدارية من جهة وبين العاملين في تلك المؤسسات من جهة أخرى للأسباب آنفة الذكر. لقد تسببت هذه الظواهر السلبية إلى استياء وتذمر كثير من المرؤوسين وأخص منهم أصحاب الكفاءات والمؤهلات العلمية والمهارات والمبدعين من ذوي الكفاءات الإدارية والعلمية من أبناء الفقراء وغيرهم من الذين همشوا طيلة حياتهم الوظيفية. ولم ينالوا حتى ولو أبسط الحقوق الوظيفية أسوة بنظرائهم من أصحاب النفوذ في المؤسسات والمصالح الحكومية من رعاية وتشجيع والترقيات والمنح والدورات الخاصة والمكافآت المالية إلى غير ذلك.. ومن المعلوم أن الأنظمة الإدارية في كل بلاد الدنيا تتغير باستمرار وبسرعة الضوء في ضوء العديد من التجارب و المتغيرات المتسارعة خصوصاً في البلدان البازغة التي تمتلك تجارب وقصص نجاح في كثير من المجالات لإحداث مزيد من الإبداع والكفاءات في العمل خصوصاً بعد أن تم إدخال واعتماد كثير من الأنظمة الحاسوبية والمعلوماتية التي توفر إلماماً دقيقاً وسريعاً بالأعمال الإدارية وفي سرعة تقييم الأداء وملاحظة الأخطاء، ولهذا فإن استمرار اعتماد اليمن على القطاع العام كقطاع رئيسي في الحياة الاقتصادية سوف لن يوفر احتياجات المجتمع اليمني من السلع والخدمات أو في المرونة، بل وحاجة المجتمع كلها فعلى سبيل المثال إن أهم ما يواجه القطاع العام عند اختيار المسئولين أو القيادات الإدارية هو المفاضلة ما بين الولاء السياسي والحزبي والنفوذ العشائري وما بين الكفاءات وحسن الأداء والالتزام وهذا ما أثبتته التجربة اليمنية من فشل ذريع و لم تعد اليوم قادرة على إيجاد أية حلول مناسبة وكفيلة لقيام حكومة كفاءات، حيث أثبتت التجارب السابقة والحالية أن المناصب وكثيراً من القيادات الإدارية قد خصصت للأحزاب والموالين للأحزاب وبعض الأسر من العشائر القوية. وهو الأمر الذي دفع بكثير من الأدمغة أو العقول اليمنية إلى الهجرة خارج البلاد ولم يستفد منهم وطنهم الذي قام بتخريجهم من الداخل أو الخارج، والشيء نفسه أيضاً نشاهده ونسمع ونقرأ عنه يومياً عن طريق الهجرة الرسمية غير المنظمة والهجرة عبر التهريب وما قد يصاحبها من مخاطر على حياة هؤلاء الأفراد وأسرهم ليتاح لهم الحصول على فرص عمل جديدة لتأمين معيشتهم وأسرهم في بلدان يقال أنها تحترم حقوق الإنسان وآدميته. ولهذا السبب لي الكثير من الأمل في المستقبل اليمني واقتصاده الواعد وعلى التغيير نحو مستقبل أفضل وآمن لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة، آخذين في الاعتبار أن اليمن لاتزال بكراً تمتلك الكثير من هذه الثروة في البر والبحر وهي عرضة للنهب والسرقة والتجميد، ففي اعتقادي أن الفساد والمحسوبيات والنفوذ العشائري بشكلها الحالي اليوم ما هي إلا مظهر من مظاهر التخلف الاجتماعي الذي ينبغي أن يزول و نتجاوزه ونقوم بتحقيق مجتمع العدل والمساواة باعتبار أن الثغرات التي قد أصابت اليمن في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية خلال العقود الماضية تدفعنا إلى التفكير ملياً في الأسباب والعوائق التي تؤدي إلى الركود والجمود الاقتصادي والاجتماعي الذي يلامس كياننا ووجودنا وحياتنا اليومية، وهذا الأمر قد دفع الكثير من الغيورين من أبناء الشعب اليمني إلى البحث من جديد عن العوامل والأسباب الحقيقية لفشل تلك السياسات وضياع الكثير من الفرص الثمينة التي حرمنا منها وحجبت البلاد والعباد للحاق بركب النمو والتطور على المستوى الإقليمي والدولي.