بعد سنوات طوال من الحديث في هموم اليمن التي تتسبب بها معدلات البطالة المرتفعة، تفاءل كثيرون ببرنامج الحكومة في «يمننة» المنشآت الإنتاجية، و«الإحلال الوظيفي»، لكن واقع الحال يقول إن الفساد طال حتى خطط «اليمننة» ! من سوء حظ هيئة التنمية الزراعية أن ساقتني الأقدار إليها لأكتشف أنها وقعت «عقد استقدام شغالة» من جمهورية مصر العربية، لتقوم بتقديم الشاي والعصير للضيوف، ومسح مكاتب الموظفين. فعلى ما يبدو ان الهيئة لم تجد بين العشرين مليون مواطن يمني من يحمل هذه المؤهلات والخبرات النادرة!! لذلك اضطرت إلى استقدامها من القارة الإفريقية بعقد عمل خارجي.. ! البيانات التي لدى مكتب العمل بأمانة العاصمة تؤكد ان اليمن استقدمت خلال العام الماضي نحو ألف وخمسمائة شغالة وفرَّاشة، وبستاني أي مزارع ومنحتهم تراخيص عمل رسمية.. وقد أخبرني أحد الموظفين في مكتب العمل أن هناك، «سماسرة» في مؤسسات للقطاع الخاص يتولون عملية استقدام هذه العمالة من بلدان آسيوية أجنبية وأخرى عربية والكثير منهم يتم استقدامهم بتوصيات من قبل مسؤولين حكوميين بحجة العمل في منازلهم أو حدائق بيوتهم، لذا يخشى العاملون في مكتب العمل إعاقة موضوع استقدامهم ! من يتمعن بالقضية يجد ان العمالة الوافدة هي من نوع المهارات التي يجيدها اليمنيون جميعاً وبالذات أولئك الذين يعانون البطالة.. لأننا نعلم ان النسبة الأعظم من البطالة هم ممن لم يحصلوا على شهادات دراسية أو خبرات فنية تؤهلهم للعمل ضمن حرف تخصصية.. وبالتالي فإن هذه الجهات التي تستقدم هذا النوع من العمالة تجني على أبناء شعبها وتتسبب بقطع أرزاقهم لا لشيء سوى للانتفاع من بعض العمولات.. اليوم لدينا في المستشفيات، والمصانع، والمنشآت الخدمية آلاف المتعاقدين من غير اليمنيين، وتدفع لهم أجور تصل أحياناً إلى خمسة أضعاف نظرائهم اليمنيين.. ولدينا أيضاً أشخاص يتم استقدامهم بصفة «خبراء» من دول مختلفة من أجل إقامة دورة تدريبية أو إلقاء محاضرة لقاء آلاف الدولارات في الوقت الذي نكتشف أنهم ليسوا إلا موظفين عاديين في بلدانهم.. ولكن الهدف الأساس هو ان يستفيد القائمون على هذه المؤسسات من نفقات البعثات تحت مسمى «استقدام خبراء» وما يتبعها من نفقات ضيافة وغير ذلك. ان تجربتي الطويلة في اليمن تؤكد ان في مختلف وزاراتنا ومنشآتنا الاقتصادية والخدمية كوادر يمنية لا تطالها قامة بسعة خبراتها وإخلاصها وحسن تدبيرها، ومعرفتها لاحتياجات الواقع اليمني.. لكن ليس هناك من يفسح لها المجال لتضطلع بأدوارها، وتحتل المراكز التي تستحقها.. والسبب يعرفه جميع اليمنيين وهو أن مرؤوسيهم في العمل أناس فاسدون، أو فاشلون ويخشون ان يصل العلم بهذه الكفاءات إلى قيادة الوزارة أو قيادة الدولة فتستبدلهم بهم ! وللأسف هذه الكفاءات الوطنية سرعان ما يتم اقصاؤها حتى من مجال اختصاصها لتكون أبعد ما تكون عن إثبات جدارتها أو محل إبداعها.. لذلك عندما سمعوا الأخ رئيس الجمهورية يعلن شن الحرب على الفساد غمرتهم الفرحة وتجددت الآمال في نفوسهم.. ونحن واثقون لو أن القيادة السياسية راهنت عليهم لوجدتهم جنوداً مخلصين لا يضاهيهم أحد في إصلاح الحال المؤسسي ودفع عجلة التنمية للأمام. ربما يتصور البعض أن المسألة صعبة التنفيذ، ولكن بتقديري عندما يكون الرهان وطنياً عظيماً لن يصعب على القيادة السياسية تقصي الحقائق في كل مؤسسة عن هؤلاء المقصيين، والخبراء والمبدعين ! أما لو بقي الحال مناطاً بترشيحات بعض المسؤولين فإننا نعلم مسبقاً ان البعض منهم لا يعرف عناوين الهيئات التابعة لإدارته أو وزارته، وبالتالي فإن المحسوبية هي التي ستقول كلمتها .. ! وأؤكد هنا ان اليمن بخير، وفي أبنائها يكمن الخير كله، لكن كل ما تحتاجه هو إعادة النظر في توزيع مراكز قيادة بعض المؤسسات، لأن الإنسان الصالح سيحمي مؤسسته ومركزه بالصالحين، أما الفاسد فسيحتمي بالفاسدين، والجهلاء،ولا غرابة إن استقدم الفرّاشات والشّغالات الأجانب لمؤسسته لأن الذي لايحترم قيم الوطن. ولايحرص على مال الشعب لن يفكر أبداً بأن ابن بلده هو الأولى بلقمة الخبز هذه !!