بسخرية حزينة قلتُ: للأسف؛ لا أشد من كيد النساء إلا كيد الساسة والمثقفين.. ثم استدركت موضحاً: من البديهي طبعاً أن الكيد صفة بشرية عامة لا تخصيصية.. أقصد لا تمييز من ناحية النوع هنا مثلاً.. لكن أحد الأصدقاء رد عليّ: ربما أنت فقط بحاجة للتحرر من الثقافة الذكورية..!! كان ردي لصديقي العزيز: لست مثالياً وأعترف.. فهل يعترفون أيضاً؟ أتمنى.. أضفتُ: عموماً أؤمن جداً بالتفوق النسوي في الثورة.. لكن الإشكالية قائمة في مجتمع تترسخ فيه أحادية الثقافة للأسف.. إما المكيدة كسلوك أو كغريزة فإنها لا تخضع لجنس إنساني محدد دون آخر بالطبع.. يهمني في النهاية بشكل خاص تجلي الذكورية والنسوية معاً بل وفي سياق متسق يمثل قوتنا كبشر وكمجتمعات. هذا رأيي وأمنيتي التي أناضل من أجلها.. إما إذا قصدت بالذكورية هيمنة سلطة النص التاريخي فاعتبره أسوأ سلطة بالتأكيد.. ولعل المحمول الابستمولوجي في كيد النص القرآني لم يجعل القرآن يحصره على المرأة.. مع ذلك بالتحديق لقولي جيداً ستجد أن المرأة تندرج ضمن الساسة والمثقفين كذلك.. المهم لا توجد يقينيات ثقافية نظراً لتغير وتبدل وتحول المفاهيم وبالذات في مسألتي النسوية والذكورية. فوق هذا أشعر أن في داخلي شعوباً من النساء يا صديقي؛ نساء يحلمن بإسقاط حتى الهيمنة الذكورية الحاصلة لدى النساء بالمقابل! غير أن الديناميكية وحدها تستدعي مساءلة المفهومين داخلنا وفي مجتمعاتنا.. فماذا حققت الثقافة الذكورية لوعيها الذكوري غير الفشل الدائم في خلق ممكنات تعايشية جنسانية لائقة غير قاصية.. ثم ماذا أنتجت النضالات النسوية العربية القديرة غير أنها كادت تتمحور حول خطابها الذي يدين الآخر فقط ما يجعلها تتحول إلى صيغة شمولية أخرى؟. أعتقد أن الانطلاق في مناقداتنا من خلال الثقافة الإنسانوية هو الحل لدرء المهيمنات وأضدادها.. تلك عملية لها أعباؤها الكبيرة لاشك خصوصاً ونحن في واقع عربي متجذر في تحيزاته المسبقة.. لكنها وحدها من ستخلق أنساقاً موحدة وطنياً وإنسانياً بعيداً عن الأفكار المطلقة من جانب ضد آخر.. وبالمحصلة يبقى ازدهار النقد المعرفي العميق والشامل من أصغر قضية سياسية إلى أكبرها كما من أصغر قضية ثقافية إلى أكبرها بحس إنسانوي وطني مفتوح امتداداً للنضال النسوي القائم أساساً على دك النموذج وتفكيكه. من هنا لابد أن نكون في الموقف الحضاري المفترض يا صديقي.. وإذ ستقول: إن العبء ثقيل على دول العالم النامي بالذات كنحن.. سأوافقك تماماً، غير أن الأمر صار يعتمل في مجتمعاتنا كما في ذواتنا تدريجياً كما يخلق تراكمه المهم رغم كل الصعاب. والمفترض أن جوهر النضال الإنساني يجب أن يكمن في الوصول إلى مرحلة سوية عقلية وروحية نتجاوز بها التصنيفات الذكورية والنسوية معاً. من هذه الزاوية فإن ما يهمني من قولتي الأولى تحديداً هو أن لا تستمر الثقافة الكيدية يا صديقي. تلك الثقافة التي لا تعالج سؤالاً أو تتحمل مسؤولية أو تساهم في إنتاج وعي جديد.. الثقافة المغلقة والمنشطرة على أوهامها وحماقاتها لا الثقافة المنتشرة فينا مثلاً بأغراض التعايش والمواطنة وتقويض حدود الواقع وحدود الحس نحو مجتمع لا ضحايا فيه ولا مهيمنات، أي مجتمع للتنمية المواطناتية والإنسانية المستمرة بدلاً عن كل هذا النزاع وصولاً إلى سبر مناهج التأريخ وأطره المفاهيمية في المسألتين السياسية والثقافية، متفاعلين مع القيمة العقلانية في نسويتنا وذكوريتنا طبعاً. واعني من ناحية تفكيرية باتجاه الخروج من التقوقع والتمترس، فالخوض في الآفاق الجديدة المأمولة التي تنطوي على سمات أخلاقية مشتركة إنسانياً وبالتالي سياسياً وثقافياً.. تلك فقط كما أزعم: حصيلتنا الحيوية والموضوعية كإنسانيين وكوطنيين أيضاً. رد صديقي: على الجميع نساءً ورجالاً التحرر من الثقافة الذكورية..عبارة كيد النساء مكرسة في ثقافتنا التقليدية وهي مدار النقد.