استمراراً للحديث حول رواية «جمعة» للدكتور ياسين سعيد نعمان سنتوقف قليلاً حول ملمح هام من ملامح النص السردي الرشيق، والمتعلق بشخصية «جمعة» القادمة من أعماق الماضي، والمنغرسة في تضاعيف الراهن ومتوالياته المترجرجة. وما يلفت النظر في تداعيات أيامها العامرة بالزيجات الأبوية البطرياركية أنها كانت تتسمّى في كل مرة باسم يختاره الزوج، وكانت تلك المُسميات قرينة هُويّة خاصة لا علاقة لها بهويتها الجوهرية، بوصفها إنسانة كاملة الحضور ذهنياً وروحياً، وهكذا بدت التعددية في تلك الأسماء، بمثابة استباحة للجوهر الأصيل لتلك الفتاة اليمانية النابعة من تضاعيف الجمال والجلال الأُنثوي الأصيل. وعلى خط مُتّصل تماهت “جمعة” مع الخيارات القسرية في استدعاء لبراغماتية تبريرية تُراهن على المستقبل، لكن رهاناتها كانت تخسر تباعاً، لأن المُكوّن الاجتماعي التاريخي وسطوة العادة كانت أقوى من الأماني والآمال التي طالما راهن عليها الحالمون الطيبون. الأسماء المتعددة لذات الأنثى القابعة في زمن العاديات ترميز مُكثّف للهُويّة الإنسانية المُستلبة، سواء تم ذلك عبر الثقافة الذكورية الأبوية القاتمة، أوعبر المراتبية الاجتماعية المُحقّرة لثقافة الانتاج والعمل الذي يفيض على المجتمع بالقيم المادية والروحية، أو الاستيهامات العرقية السلالية، وحتى السُلطة الغاشمة التي تتخطّف المؤسسة لتتبادل معها لاحقاً انتقاماً متبادلاً، يصل إلى المجتمع الواسع، الذي يثور بدوره على السلطة الغاشمة ومؤسساتها المُصاغة بذات المعايير الظالمة. العبودية المُعلنة والمستترة التي مارسها الأزواج على “ جمعة” يقابلها تبادل مؤكداً لعبودية بين الطرفين “الزوج والزوجة”، فمن يُصادر حرية الآخر لا بد وأن يكون فاقداً لحريته. وهكذا نكتشف حقيقة العلاقة الزوجية القائمة على تحقير المرأة بوصفها محصلة تراجيدية لعبودية مُتبادلة بين الطرفين. تلك هي الأبعاد التي اتقرّاها من وراء “جمعة” ذات الأسماء المتعددة، وسنكمل غداً بإطلالة أخيرة على الرواية. [email protected]