بالأمس تحدثنا عن الملْمح العام لرواية “جمعة” للدكتور ياسين سعيد نعمان، ولاحظنا بصورة أساسية فن الاسترجاع الذي انطلقت منه الرواية، وكيف أن هذا النمط من الاسترجاع اللّماح أفْضى إلى نقطة مركزية بالمعنى “الزمكاني” تتّصل بشارع تجاري في مدينة صنعاء، كما تابعنا منظومة المكونات المتعددة لفن الوصف المُتروْحن بشعرية لا تخطئها العين والأُذن، وفن المونولوج الذاتي المقرون بعوالم الأنا المُرهقة بالضنى والحياة، وفن الديالوج الذي يجعل التراسل بين الطرفين مفتوحاً على اتصالات غير لفظية، وفن الانزياحات المكانية التي تسمع بإعادة تدوير المشاهد والشواهد على قاعدة التحولات المرصودة في أساس الثبات الناجم من ثقافة أصولية بالمعنى الواسع للكلمة، فالأُصولي هنا ليس من يقبع في دين الشريعة المُجيّر على اجتهادات المجتهدين، ويفارق دين الحقيقة المُتسامي في علياء المِثال الإلهي، بل من يمارس ذات المفهوم في مركزيته الأبوية سواء كان زوجاً أو رئيساً، وقد كان الدكتور ياسين سعيد نعمان واضحاً في استنتاجاته التي انبثقت من وراء سديم الشفافية السردية، كما لو أنه يرينا كيف يحضر رهين المحبسين “المعري” في مكاشفة صاعقة لدهر الثبات والتحول في الزمن العربي، فالمعري هو الذي قال ذات لحظة فاقعة الصدق: من هاله زمن أو راعه عجب فلي ثمانون حولاً لا أرى عجبا اليوم كالأمس والأفلاك دائرة والناس كالناس والدنيا لمن غلبا بهذا القول كان المعري يُكاشف حال العرب الذين يُعيدون إنتاج المتاهة كما وهم في حالة جبر لا فكاك منه. يقول الشاعر المرابط ولد متالي : المرء في الظاهر ذو اختيار والجبر باطناً عليه جاري وكان من عجائب الجبار أن يُجبِر العبد بالاختيار تلك ملامح أُخرى لأبعاد دلالية قرأتها في تضاعيف النص الرفيع للمؤلف السارد العليم الاستاذ ياسين سعيد نعمان. [email protected]