منذ السطر الأول يحدد الروائي ياسين سعيد نعمان منطق الرواية ومآلاتها من خلال تسليط الضوء على البطلة المركزية “ جمعة” .. تلك المرأة القادمة من الماضي، ضمن سيرة وجودية تؤكد على أن ذلك الماضي ما زال يحكم متواليات أيامنا الغائمة، ومصائر أحلامنا التي كالسراب. فالبطلة المركزية في معادلة السرد ما زالت تعيد انتاج ذات السيرة الوجودية، لأنها ما زالت تعيش ذات الأسباب التي حدتْ بها إلى أن تكون نموذجاً فولكلورياً للمرأة المُستباحة بقوة العنف النفسي المديد، الذي ما زال يعيد إنتاج نفسه بكفاءة العادة القهرية التاريخية الظالمة. غير أن الأهم هنا يكمُن في لغة الاستهلال المُدوْزنة بالشعرية، والمُموْسقة بكثافة الإيقاع .. سهلة المنال في آن واحد، ولا تخلو من إشارات وامضة لوصوف تُعانق الحالتين النفسية والجسدية لأُنثى الكون العصيّة على دهر الثبات. ثم تأتي المفاجأة السردية، فبعد صفحتين من الاستهلال ننتقل إلى المكان في شارع “علي عبدالمغني” بصنعاء، والذي ينقلنا بدوره إلى حي “الخساف” بمدينة “كريتر” .. عدن. مدينة الليل والمرايا .. مدينة الصفاء القادم من تعايش الأنساق الإثنية والثقافية.. حيث زرقة البحار الشفقية العامرة بأقواس قزح. لكن هذه النقلة المُباشرة من صنعاء إلى عدن تنطوي على عقود ثلاثة من السرد الذي يأتي تباعاً ومتدفقاً كشلال ماء يختصر المسافة من السفح إلى القمة، مؤكداً أن الحياة أشبه بالطود الراسخ كالجبل العالي، وأن المسافة بين المستويين دالة الوجود المُترع بالمعاناة. وكما قُلتُ بالأمس يباشر السارد تقنيات الاسترجاع بكفاءة مشهودة، كما يتعمّد تناوب المونولوج مع الديالوج بطريقة تجعل القارئ ممسوكاً بالجمالي والدلالي، فيما تتواشج تلك التقنيات مع لحظات استرسال مع جملة من القضايا المفاهيمية ذات الطابع الكُلّياني بالمعاني الفلسفية والوجودية والماورائية، مما سأعرض له لاحقاً.. متمنياً من كل قلبي أن تكون مقارباتي النقدية العابرة خفيفة على القارئ اليومي الحصيف. [email protected]