التجوال في ربوع المدن ليس زمناً يتداعى مع فيزياء الساعات والدقائق التي تمضي وتمر مر السحاب، ولا هو وقوف أمام شواهد مكانية تقبع في تميمة الثبات، بل هو إلى هذا وذاك اجتياز لمسافات وامضة في زمن الإبداع المغاير لمألوف الأزمنة، وشواهد المكان التي تُعيد إنتاج التحوّل كدالة على التطور المتواصل، وهكذا تتواشج المعاني ضمن معادلتي الثابت والمتغير لكي تتمظهر المدينة كحاضرة فريدة . ضمن هذه الرؤية ووفق هذا المنطلق يتجول الرائي في مرابع المدن مُتنقلاً كالفراشة من زهرة لأخرى، تاركاً قلمه ينداح مع تلك المرابع كثيرة الأشجار والثمار.. العامرة بالتوهجات والظلال الحانية .. السادرة في متوالية الصعود المشهود، المدوْزنة بنماذج العمارة الإسلامية ذات القباب والمنائر .. المشعة بشموس الليل والنهار . في معارج الرؤية نتوقف أمام ملحمة البناء ومآثر النماء ضمن سفر يتّسع للجديد والأجد، ويسْتجلي القديم الدال على شواهد الحضارة العربية الإسلامية، معيداً إنتاجها ومُقيماً في خيار الثقافة ومعانيها اللامتناهية، مُستأنساً بميزان السماحة والرضى الموصول بالتروحُنْ النبيل. تلك حالة من حالات المدن العربية الإسلامية أثناء الشهر الفضيل، والشاهد أن هذه الحواضر تتّصل بوشيجة صلة مداها عبقرية الهوية والثقافة الواحدة مما نتابعه عبر نماذج تتوالى تباعاً.