أحسنت منظمة الثقافة والتربية والعلوم «اليونسكو» صُنعاً باختيارها يوم الحادي والعشرين من مارس يوماً عالمياً للشعر، ذلك أن الشعر يستحق أن يكون له يومه المكرس المرصود في الذاكرة، وخاصة في زمن الرذاذ والتشظّي والحروب المُستعرة والمُفارقة للفطرة الإنسانية السليمة . ينبري الشعر في مثل هذه الأحوال ليقدم جواباً جديداً ومعرفياً ناجزاً، فالشعر حمّال معان ودلالات بقدر كونه وسيلة للإبحار في دهور التحول والفراغ الكبيرين .. ذلك الفراغ الذي يمنح الشعرية قيمتها التأملية ويسمح لها بأن تكون شاهد حال على الابتداء والمآل . احتفال بيوت ومنتديات الشعر العربي بهذه المناسبة يتجاوز كونه تقليداً سنوياً واعتباراً فولكلورياً ليعكس المعاني العميقة لماهية الشعر بوصفه ميزان الموازين النابعة من موسيقى الحياة والوجود والكون. تلك المثابة التي جعلت من النص الشعري تضميناً شاملاً لكامل النصوص الموسيقية والبصرية والسمعية حتى لكأن الشعر دالة الدوال في مفاتيح «صول» العالمية المدوْزنة . بيوت الشعر والثقافة تؤصل مرئياتها وتتوج بصمات حضورها في مثل هذا اليوم لاستدعاء وتكريم أسماء وقامات شعرية راكزة في أساس البيان والبديع الوافرين والمبحرين في آن واحد صوب التجديد والتجدد اللامتناهي، وبهذا المعنى يتم ترسّم خُطى الفاعلين المُبدعين ممن صانعوا وتشاغلوا وتفننوا وتقادموا وتواتروا وتمرغوا في جمرات الضنا ليكون لزمن إبداعهم صلة مؤكدة بالاحتياطات الدائمة والاشتعالات المستمرة والمخاضات التي تنبثق منها بوارق النصوص ولوامح المعاني . هكذا يسعد رواد بيوت الشعر ونقاد الشعرية النصية البصرية الموسيقية، وعشاق اللغة وتحولاتها.. هؤلاء جميعاً سيسعدون بمعانقة نصوص الشعراء المشاركين في أساس وتضاعيف الذاكرة الجمْعية للأُمة، والذاهبين بعيداً مع بيان العرب الأكبر وميزانهم الأبهر. العرب أُمة شعر منذ المرابع الأولى وإلى ماشاء الله، ولهذا كانت أقوالهم كلاماً ليس بالكلام، ونصوصاً تتخطّى المفاهيم القاموسية الجاهزة، وتنويعاً يستعصي على المُحاصرة، ولهذ أكرمهم الله بالقرآن المُعجز، يتقرّونه فيعرفون موضعهم من سر البيان، ويستدلون عليه فيتعلمون منه ما يستعصي على العقول والأفهام .