إذا كانت الجمهورية في منظور القانون الدستوري هي مجموعة من القواعد تتعلق أساساً بانتخاب رئيس الدولة، فإن المفهوم العميق للجمهورية يتجاوز شكل نظام الحكم. فهي جملة من القيم والمبادئ، وهي تكريس فعلي لسيادة الشعب وصون للحريات وحمايتها، وهي باختصار شديد نبذ لكل أشكال الحكم الفردي. ورئيس الجمهورية - في النظام الجمهوري - يجب أن يكون منتخباً مباشرة من الشعب، ويتم تحديد المدة الرئاسية – عادة - بأربع أو خمس سنوات، تكون غير قابلة للتجديد مرة واحدة كما هو الحال في المكسيك وكوريا الجنوبية، أو قابلة للتجديد مرة واحدة كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويكون النظام الجمهوري برلمانياً إذا كان يعتمد ثنائية السلطة التنفيذية ومسؤولية الحكم أمام البرلمان كما هو الحال في الهند، أو رئاسياً إذا كان يقوم على مبدأ الفصل الحاسم بين السلطات، وأحادية السلطة التنفيذية والتوازن السلبي للسلطات. أي أن رئيس الجمهورية ليس من حقه حل البرلمان، والحكومة ليست مسؤولة أمام السلطة التشريعية مثل النظام الأمريكي، أو شبه رئاسي إذا كان يأخذ - في آن واحد - ببعض تقنيات الشكل البرلماني وببعض تقنيات الشكل الرئاسي في تنظيم السلطات العمومية. ويمنح هذا النظام نفوذاً قوياً لرئيس الجمهورية، كما هو الشأن في عدد من أنظمة الدول النامية والمتخلفة، وبالذات الأنظمة العربية التي سقط بعضها مؤخراً تحت عاصفة ثورات (الربيع العربي). وإذا كانت الجمهورية قد ظهرت منذ خمسة قرون قبل ميلاد المسيح, فإنها لم تظهر في شكلها الحديث إلاَّ في أواخر القرن الثامن عشر. ويعتبر الدستور الأمريكي الصادر سنة 1787م أقدم دستور جمهوري, فقد أمر بانتخاب رئيس الجمهورية، ثم تعاقبت الدساتير الجمهورية, ومن ذلك دستور 1792م للجمهورية الأولى في فرنسا ودستور 1848م للجمهورية الثانية في فرنسا أيضاً.. وغيرها. أما في اليمن فقد تم الإعلان عن الجمهورية - كما هو معروف - عند قيام وانتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال الوطن, وانتصار ثورة 14 أكتوبر 1967م في جنوبه.. إلا أن الجمهورية، منذ ذلك الوقت، لم تحتفظ بمكانتها وقيمها ومضمونها, بل تعرضت لأشكال عديدة من الانحراف بها والتآمر عليها.. وهو ما يحتم الآن مع انتصار ثورة التغيير بلورة فكر جمهوري جديد. [email protected]