أطلتّ علينا الذكرى الثانية والعشرون لإعادة تحقيق الوحدة وللعيد طعم آخر،ونكهة أخرى. فهذا العيد يجيىء وفي استقباله مشاعل الثورة ونسائم الحرية ومصابيح الأمل بغدٍ أفضل. بعد أن كان يجيء – سابقاً- على صخب الاحتفالات الزائفة والخطابات المكررة والممجوجة والتباهي بإنجازات وهمية يلعنها الواقع المؤسف. باختصار كانوا يحتفلون ويغنون ويرقصون على هامش جراحاتنا وأوجاعنا ورغم ذلك كان كثير منا يفرح ويرقص كطيرٍ يرقص مذبوحا من الألم. فقد كان الشعب- أوأغلبيته – ومازال بعضه- مخدرا بالوهم والجهل يغني مع المغنين ويصفق مع المصفقين. وقد قلت مرة في أحد أعياد الوحدة : نحن شعب الضجةِ وملوك (الهدرةِ) نحن في إعلامنا وضعُنا في القمة ليس للفعل مكانٌ - أبدا- ً في دولتي كل انجازاتنا منذ يومِ الوحدةِ كلها نجمعها - كذباً - في حفلةِ ونغني بابتهاج ٍ فرحاً بالكذبةِ هكذا نحن مضينا في دروب العزةِ ووصلنا بعد جُهدٍ لعميق الحفرةِ والآن ماذا تغير؟ لاأدعي أنّ حالنا قد تغيّر 180 درجة وأننا نعيش في بحبوحة من العيش.. كلاّ.. ولكني اقول: أنّ الثورة قد غيرت مفاهيمنا وغيرت نظرتنا للوطن والحرية بعد أن سَرت دماؤها في زوايا أرواحنا (الحرية – التغيير- العدالة – المساواة -الحقوق)وكل مفاهيم الدولة المدنية صارت مطالب نسعى لها ونضحي من أجلها، لا شعارات نتغنى بها في إذاعاتنا واحتفالاتنا ونحن في الواقع لانستطيع ولانجرؤ ولانفكر في تغيير مدير مدرسة ناهيك عن محافظ أو وزير أوأكبر. هذا غير الفساد الذي نراه ينخر في كل مفاصل الدولة ويسلبنا ابسط حقوقنا ونحن ننظر له إما صامتين أو مصفّقين. ولكن الثورة جاءت لتقول لنا: أنّ كل شيىءٌ ممكن وتُعلمنا أن نقول (لا) بملء الفم .. صحيح انها لم تحقق لنا – بعد اكثر من عام- كل ماخرجنا من أجله لكن الصحيح ايضا اننا وضعنا أقدامنا في بداية الطريق ولن نتراجع مضى عامٌ ومابلغت مُنانا الغاية القصوى ولكّنا هدمنا في ال جدار الجانب الأعتى وأشعلنا بوجه الليل شمعة فجرنا الأولى ليهتز المدى طربالصوت نشيدنا الأغلى (من قصيدة لي بعنوان ميلاد الضوء في دمائنا) واليوم وبما أنّ الوحدة يتناهشها الأعداء في الداخل والخارج .. يتوجب علينا أن نكون عند مستوى المسئولية في الدفاع عنها. وبما أنّا نسير قريبا إلى طاولة الحوار الوطني سيكون من أولى أولوياتنا القضية الجنوبية والقضية الشمالية أو بمعنى أصح قضية الوطن هذا الوطن الذي ُذبِح من اقصاه إلى اقصاه في ظل نظامٍ شوّه كلً شيءٍ جميل في حياتنا ومن ضمنها هذه الوحدة المظلومة. وحيث أنّ الثورة قد أزاحت كثيرا من المعوقات وهيّأت أجواءً ملائمةً لتضميد الجراح.. آمالنا أن يُعاد للوحدة اعتبارها والقيمة المعنوية الكبيرة لها وأن يعود ألقُها والمعنى الجميل لها.