تقدم الأصوليات الوجه الأكثر رعونة للحياة، مقاتلين مدججين بالأسلحة، معصوبة أعينهم بإيمان أعمى، يرتكبون الموت كمقابل للجنة .. لا يهم أن يفخخ العشرات أو الآلاف، لا يرى ضحيته، فقط مهووس ببطولته الخرقاء. هذا ما حدث في السبعين، أكوام قتلى، جثث ممزقة فعل عمل تفجيري، أقدم عليه انتحاري، لا يمكن أن يكون رجلاً طبيعياً. يستعيد أنصار الشريعة خطاب طالبان، يبررون مجازرهم وتنكيلهم بالناس بتطبيق الشريعة الإسلامية. كم من المرات يظهر عبدالمجيد الزنداني ليطالب بإقامة الخلافة. حتى الحوثي لديه طريقته في تبرير الشريعة الإلهية وتصوره للخلافة، أو الإمامة. في مصر يؤكد مرشح الإخوان عن برنامج انتخابي يطبق الشريعة الإسلامية. المفزع أن صورته الانتخابية تترافق مع شعار “طاعة الله”، الاستخدام الاعتيادي للابتزاز الديني. جرح عميق للمشهد الديمقراطي، يقصي كل المرشحين، يمنح نفسه أحقية دينية، ويشكك بعقيدة من سيذهب لاختيارهم. لكن لماذا لا يتم تحريم مثل هذه الاستخدامات في الانتخابات، منع استخدام المساجد والابتزاز للأصوات من أجل إخضاعها. إنها مرآة تعكس صورة الجماعات الدينية بكل تفرعاتها، وانتماءاتها المختلفة، سواء كانت سنية أو شيعية. حتى تلك التي تصور نفسها كصورة معتدلة، هناك في الواقع اختلاف في درجة الرعونة. لكنهم يستخدمون نفس السلاح، فتاوى تمتلك قوة التحريم والتكفير، وتستطيع أيضاً منح صورة الموت كشهادة، بطريقة تؤجج الحروب الدامية، والأعمال الانتحارية أو الفدائية المريعة. تختلف الأصوليات في درجة رعونتها إلا أنهم يرتدون جميعاً وجهاً متجهماً فاتكاً بالحريات، يحملون صورة إله غضوب، ينحاز لعنفهم ومشانقهم. لكن هل يجب وضع جماعة مسلحة لا تعترف بأي ممارسات سياسية كصندوق الاقتراع وجماعة الإخوان التي ترى أن الصندوق طريقها للحكم؟! علينا وضع الأشياء في مكانها الواضح. هناك فارق، أتذكر أنني كنت في مقيل ونتحدث عن المخاوف من أصولية الإصلاح، حينها أشار أحد الصحافيين المناصرين للحوثي، على أنه يتوجب عدم حدوث الانتخابات. لكن هل يتوجب علينا رفض الانتخابات لرفض ما يقرره الناس، في وقت قررنا أن تكون الديمقراطية خيارنا. قد يحفظ التاريخ بتجارب مريعة. وصل النازيون للحكم عبر الديمقراطية، وذبحوها، وهو المتوقع من الشوفينيين الإسلاميين، ربما سيذبحون الديمقراطية التي ستوصلهم للسلطة. لكن لا يمكن النيل من الديمقراطية تحت شعار صعود الإسلاميين، بشقيه السني والشيعي. لنتذكر ما حدث في الجزائر. هل نبارك تزوير الأصوات حتى نمنع الإسلاميين، الصحافي إياه الذي ثرثر كثيراً عن الديمقراطية والحريات، مستعد لتبرير التزوير الذي يمنعهم من بلوغ السلطة. مازالت رؤيتنا ملفعة بالضباب، ألسنا كذلك؟ ألا يتوجب علينا مقاومة الجلاد الذي نما فينا عبر تاريخ من القمع. نظرة مزدوجة للديمقراطية. لكن بتلك الطريقة سنبارك العنف. أليس خياراً يعبر عن العجز، نمنع الديمقراطية بدلاً من تطوير أدواتنا السياسية وخطابنا لمواجهة هذا المد الأصولي. بالطبع سيكون رهاننا على الديمقراطية، ورفض التزوير حتى لو يصعد الإسلاميون. بالطبع، يمكننا تقدير درجة الرعونة بين أصولية وأخرى، أصولية تمارس وجهاً سياسياً لكسب السلطة، ومن المحتمل أن تقيم مجزرة للحريات عبر تضليلها المفاهيم والعواطف، وجماعة ترتكب عنفاً مريعاً لإقامة الخلافة، وبالطبع تلتقي الجماعتان بجذور خطابها الاقصائي والمتشدد.فقط تختلف درجة التشدد، وبالتأكيد هناك طرف يتحدث عن أحقيته بامتلاك الدين الصحيح، وهي نفس الفكرة الاصولية التي تلغي إمكانية حقنا في الحياة، طالما لا نوافقهم، فالاصلاح في اليمن، لديه ميليشياته المسلحة، والتي تقاتل بضراوة من أجل إسقاط معسكرات الجيش والاستحواذ على معداتها، في ارحب ونهم، تحت غطاء الثورة. نحن ندرك أن الحرس ما زال تحت قيادة نجل الرئيس السابق، لكن عندما تستولي ميليشيات دينية، أو قبلية لمعدات عسكرية، فانها بالضرورة تتحول ضد فكرة الدولة. لكن الحرس بمجرد تغيير قياداته فهو يتحول إلى جيش يحمي الدولة. كثيراً ما كان قادة الاصلاح في اليمن، يتهاونون في حديثهم عن القاعدة، باعتبارها قاعدة علي عبدالله صالح، مع هذا تظهر القاعدة باستراتيجية جديدة وخطيرة. نحن ندرك أن علي صالح لم يقم بدوره في مواجهتها، كما أن سياسته قوت وجود القاعدة والأًصوليين، إضافة إلى ما يمكن تسميته تغاضياً ودعماً كما لاحظنا أيضاً تغاضي الاصلاح من تواجد القاعدة، في خطابه، أو سياسته. موقفه المتخاذل إزاء ما يحدث في أبين. لديه معركته البعيدة تماماً عما يواجه البلد من مخاطر، وهو ترتيب وجوده في السلطة، واسقاط المعسكرات، ويمكنه أيضاً التغاضي من اجل ذلك. درجة الرعونة هي المختلفة، درجة التشدد ، لكن الخطاب الذي يستخدمه مقاتلو القاعدة، وحتى مقاتلو أنصار الشريعة، يعود في جذوره لخطاب الاسلاميين السياسيين. وهو خطاب يتم توظيفه في الحروب، كما في الحملات الانتخابية. في مصر لم تنج المساجد من سطوة الأخوان. الخطباء رفعوا هذا الشعار “اختيار محمد مرسي طاعة لله”. وفي ميدان السبعين يلقي انتحاري بنفسه تحت شعار “طاعة لله”. لن ننجو من تلك الرعونة ، لكن لا يمكن رفض الانتخابات تحت أي مبرر.