تحذيرات دولية كثيرة في الأيام الأخيرة من مأساة إنسانية يمنية كبرى وكارثة لم تعد بعيدة جغرافياً وزمنياً أو خافية غلينا وعليهم, ولكننا لم نعطها حقها من العمل على درئها أو التأجيل إلى أن يقيض الله لنا قلوباً رحيمة؛ ألا وهو الجوع الذي قدرت عدة منظمات دولية وإنسانية تابعة لمنظمات مجتمعية مدنية أجنبية بأنه يهدد نصف عدد سكان اليمن وخاصة الأطفال وكبار السن من الجنسين. وأما اليمنيون العاديون والمتشائمون بدرجة أولى فهم يقولون إن الخوف أيضاً من المستقبل المجهول يحطم العقول ويضعف القلوب القوية عن تحمل الصدمات النفسية والمعيشية والوظيفية ويندرج في هذه التسمية أولئك العمال العاطلون الذين تمتلئ بهم جولات وأرصفة الشوارع في المدن الكبرى لتوقف الأعمال وانحباس الأمطار وغلق عدد من المصانع والمعامل أبوابها أمام من كانوا يعملون فيها. فالجوع والخوف متلازمتان الآن تطحنان اليمنيين بقسوة في ظل احتدام المكايدات الحزبية والقبلية والصراعات المستمرة بل والمتطورة التي استغلتها عناصر إرهابية لتظهر في الفراغ وتعيث في الناس قتلاً وتشريداً وجروحاً عميقة في أبين وصعدة ولحج وشبوة والبيضاء والجوف ومأرب وبدرجات متفاوتة في حجة وذمار وإب والمحويت وصنعاء التي تعتبر بؤرة التوتر ومصنع الأزمات وفقاسة كل الإهاربيين والفاسدين والمتخلفين الذي يحاولون وقد فعلوا الجمع بين القبيلة من جانبها المظلم السيئ السمعة وبين المدنية والسياسة والدين وجرجرت عدداً من الأكاديميين والشخصيات المجتمعية المرموقة وعلى رأسهم أولاد الأحمر بدون استثناء. فماذا سيفعل الخائنون والجائعون لإنقاذ أنفسهم من براثن أعداء داخليين لم تلن قلوبهم ليتقاربوا ويتخلوا عن مشاريعهم الانتقامية وأحقادهم المتبادلة التي تزيد من شدتها ترساناتهم الضخمة من الأسلحة وانفرادهم بثروات البلاد وسيطرتهم على برها وبحرها وجزرها وسمائها. لا فرق بين الموت جوعاً أو خوفاً فنحن ومنذ قيام الثورة السبتمبرية قبل خمسين عاماً لم نذق طعم الراحة والأمن والأمل, بل إن مظاهر الحياة بكل تفاصيلها قد حلت محلها مظاهر الطوارئ والفوضى العارمة وتسيّدت الساحة كل النماذج المكروهة في الفطرة من البشر الذين هم عالة على الشعب من أعلى هرم الدولة حتى أصغر موظف, وصنعاء خير شاهد على ذلك.