والصمت أو الترحيل العمد تحت ذرائع يخترعها السياسيون الذين تربطهم علاقة مشبوهة بشبكة المصالح المتغولة لملف نهب الأراضي والعقارات سوف يهدر وقت الفترة الانتقالية المنصوص عليه في المبادرة الخليجية، وسوف يقضي على حماس المجتمعات للتغيير الذي يطمحون إليه.. فهذا الملف هو عبارة عن محك عملي لبرنامج غاب منذ خمسين سنة فارطة، تحولت أثناءها الخيالات الإنسانية المشروعة إلى بلادة جماعية تنتج طواحين هواء تعمل وفقاً لفلسفة قدرية تخريفية طلقتها المجتمعات الأمريكية والأوروبية والصينية واليابانية والروسية والجنوب شرق آسيوية والهندية وعلى إثرها انطلقت نحو الرقي والازدهار بدون توقف أو حدود. إنه الملف الأكثر إثارة والفاتح لشهية التنمية والاستثمار الرأسمالي ومفتتح الازدهار الاقتصادي القاعدة أو الرافعة الأساس لدولة رأسمالية أو شبه رأسمالية قد تطول فترتها أو تقصر بحسب عزم وحماسة الطبقة السياسية التي تقود المرحلة الانتقالية والمفوضة من مجلس الوصاية الدولية المكون من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل والسعودية. 2 - زراعة القات، أو اقتصاد القات، والتوسع في زراعته في الأراضي الصالحة للزراعة، والعزوف عن زراعات المحاصيل النقدية والغذائية المفيدة، والحرمان من المياه التي يتم استنزافها، وهذا الملف لا يقل خطورة عن ملف نهب الأراضي والعقارات، وهو يختلف عنه بحزمة الأفعال الإجرائية لحله حلاً منصفاً يضع النقاط على الحروف بتصميم البدائل وترسيخ القناعات بالفوائد والأخطار وتقديم الحوافز. نشأت زراعة القات في المنطقة لتكون القوة الحربية الأكثر فتكاً، بدون استخدام الأسلحة التقليدية والحديثة ضد الجسد والذهن اليمنيين المنهكين بالبدائية والفقر والأمراض الاستوائية والحشرات الاجتماعية الضارة المتمثلة بالحكام الإرهابيين والفاشلين سياسياً والمحترفين إجراماً. زراعة القات أضحت العدو الأول والأكبر والأخطر للأمن الغذائي والتنمية الإنسانية، فهو ملتهم ل60% من مياه الأمطار والمياه الجوفية والمخرب الرئيس لأحواض المياه، وهو ناقل للأمراض المفترسة التي استشرت في المنطقة التي يتعاطى الآن أغلب سكانها القات قبل الغذاء (يسمون هذه العملية الفذاحة أو افتتاحية اليوم) من كل الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية ومن كل الفئات العمرية بما في ذلك الأطفال (من الطفولة المبكرة)، وهذا ما يعني تأثيراً سلبياً على الصحة الإنجابية (وفيات أكثر من النجاة). ويبدو أن التقزم الجسدي والذهني هو من نتاج زراعة وتوسيع زراعة القات، وإن التنمية الإنسانية لا يمكن أن تكون تاجاً على رأس هذه المنطقة المنكوبة وسكانها شبه المنقرضين، أي من المستحيل التقدم خطوة واحدة نحو العلاقات الرأسمالية أو شبه الرأسمالية طالما السكان تحت بيادات القات، ففوق التخلف المركب في المنطقة القبلية – الجبلية هبط القات كضيف ثقيل على كاهل بطالة إضافية ومركبة جسدياً وذهنياً، وقد نخسر معركة القات مؤقتاً كما خسرتها حضرموت والمهرة، ولكن علينا الآن ترك هذه المعركة مفتوحة تستنزف الموارد والطاقات البشرية، والمستثمرون لا يمكن إهدار أموالهم في زراعة القات، بل إن القات يطردهم طرداً متواصلاً. 3 - شحة المعارف الزراعية عند الملاك والمزارعين، وبهذا الصدد فإن الملاَّك والمزارعين المحليين يمتلكون معارف متساوية من حيث التعليم والثقافة، ولم يتمكنوا من مغادرة ثقافة المحراث الخشبي الإقطاعي، على الرغم من دخول المكننة الجزئية في بعض المزارع الكبيرة التي استخدمها أولاً القطاع الزراعي الحكومي في الجنوب والشمال، ثم استخدمها الرأسماليون التجاريون الذين بدأوا استثماراتهم في الزراعة مثل: شركات هائل سعيد أنعم وأولاد درهم وتجار تعزيين استفادوا من رخص أراضي تهامة، ثم التحق بهم طابور صغير من العسقبليين الذين استولوا على الأراضي التهامية بالقوة. والزراعة النوعية في هذه المنطقة تكاد تكون معدومة؛ لأن تفكير الملاك والمزارعين لا يعدو أبعد من أنوفهم، فالزراعة المعتمدة على الاستثمار المالي الكبير والمدارة إدارة عملية رشيدة تؤسس لعلاقات رأسمالية في الريف، ففي بعض البلدان المتقدمة زراعياً نجد الشركات العملاقة تقوم - سواء منفردة أو بالشراكة - بعمليات زراعية متضامنة تبدأ بزراعة المحاصيل النقدية والسلعية الغذائية، مروراً بإنشاء الصناعات المكملة وبرادات التثليج والتخزين، وانتهاء بالتسويق الذي يكلل العملية بانصهار المجتمعات الزراعية في أتون علاقات إنتاجية واجتماعية حداثية تخلق بالضرورة الازدهار الثقافي الذي لا يتوقف تدفقه التصاعدي. وإذا توقفنا عند الجوف فسوف نجد أن مساحتها أكبر بثلاث مرات من مساحة تعز، وبمقارنة فعالية سكانيهما فإن الجوف هي الخاسر، على الرغم أن أراضيها خصبة وتختزن مياهاً عظيمة، ولكنها لم تجد سوى من يثير فيها الاحتراب وإعاقة التعليم فيها، ومن تعلم من أبنائها تعليماً عالياً أجبره شيوخ الإقطاع السياسي للعمل معهم كمرافقين.