الخميس إحدى ليالي 2010م.. إنه الخميس.. هذا اليوم الذي خصصته للذهاب إلى الصالون الثقافي.. يومي المفضل الذي أنتظره كل أسبوع.. أسمع فيه الكثير وأتعلم الكثير. دخلت وأنا ممتلئة بالحماس، فهنا أقول أفكاري كيفما أشاء، وكل منا يحترم رأي الآخر، وهنا أشعر بحريتي في التعبير، حيث نتكلم في كل شيء.. سياسة، مجتمع، اقتصاد، ونناقش بعضنا، وقد تعلو الأصوات، ولكن يظل دائماً احترام الرأي هو سيد الموقف. هنا أشعر بأني حرة.. أسمع وأُسمِع.. قد لا أتحدث كثيراً ولكني أشعر كشعور الطائر الحر في سماء بلا أفق.. يطير أينما يشاء.. يعلو ويعلو..أشعر بالسعادة تغمرني.. أنا حرة… وأنا في هذه النشوة، يقطعها صوت يوجه لي سؤاله قائلاً: “هل تعلمين بأن الأمية في اليمن قد تصل إلى 70 في المائة؟”.. التفت لأرى صاحب الصوت، ولا يبدو عليه بأنه يمزح.. ماذا أجيب؟ لا أدرى بماذا أجيب؟..اصمت..أنا أعلم بأن نسبة الأمية في بلدي كبيرة، لكني لا أعرف النسبة تحديداً..هل فعلاً 70 في المائة؟ الكل ينظر إليّ منتظرين الإجابة.. بماذا عليّ أن أجيب؟..هل أقول نعم أعلم، أم أقول الحقيقة بأنني لا أعلم بما أجيب؟ أشعرت بالحرج؟ هذه بلدي التي يتحدث عنها..هؤلاء أبناء وطني من يتحدث عنهم..أصحيح أن أكثر من نصفهم أميّون؟! سقط الطائر.. وشعرت بالرغبة في الهروب. ودّعت الموجودين وذهبت للبيت، فتحت حاسوبي، ودخلت على الإنترنت صفحة جوجل وبحثت عن “نسبة الأمية في اليمن”. كانت النتيجة: 40 %، موقع آخر 50 %، موقع ثالث يقول إنها 60 %.. ليس هناك نسبة محددة، لا يهم، المهم أن ما يقارب النصف من أبناء وطني أميون. شعرت بالخجل!.. كيف لا أشعر بالخجل وأنا المتعلمة، هل فكرت وأنا في اليمن بأن أعلم أحد هؤلاء الأميين؟ هل فكرت أن أبحث عن مدارس لتعليم الأمية وأعلم فيها؟ لماذا لم أفكر في هذا من قبل؟! شعرت بالخجل من وضع أبناء وطني، وبالخجل الأكبر بأني كمتعلمة لم أحاول أن أغير شيئاً.. وجاءت الرغبة في الكتابة… أريد أن أكتب عن وطني الذي حُرم لقرون سابقه من التعليم…أريد أن أكتب عن مدارس بلدي المزدحمة.. عن الإهمال وقلة الوعي.. أريد أن أكتب عن أطفال بلدي الذين يقضون كل وقتهم في الشوارع.. وعن أهالي لا يهتم أحد بتوعيتهم بأهمية التعليم، وعن مدارس مزدحمة تنفر الطفل عن التعليم.. عن أجيال وراء أجيال لا يتعلم منهم إلا القليل.. أريد أن أكتب وأكتب وأكتب.. ولكن لمن؟.. ما فائدة ما نكتب؟..من سيقرأ إذا كان نصف الشعب من الأميين؟ وقتها عرفت بأننا نكتب لمن لا يقرأ…نكتب للأميين.