تمر الأيام وتتوالى الأحداث عاماً إثر عام، منها ماكانت أحداثاً إيجابية غيرّت مجرى التاريخ، ومنها أحداث سلبية لم يبق منها إلا الاسم ومزقها العصر شر ممزق، فهناك من اتعظ وهناك من استكبر وولّى.. إن التاريخ الإسلامي مليء بالأحداث الإيجابية التي بُنيت على أسس وقواعد متينة فكان لها الصيت والشيوع ولم يستفد منها إلا من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن هذه الأحداث حادث الإسراء والمعراج الذي مرّ علينا هذه الأيام ونحن في سبات عميق ولم يتذكره إلا النزر اليسير، وعلى ذلك يفرض علينا هذا المقام لنفرد له مساحة متواضعة نسترجع فيها ذكرى الإسراء والمعراج لصاحبها محمد “صلى الله عليه وسلم” عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ونتوقف ملياً على رصيفها النوراني لنستقي من أحداثها دروساً عطرة من أجل أن نسقطها على واقع معاصر منهك لعلّ أبناءه يتذكرون ويعون ماذا يدور خلفهم ومن الذي يستهدفهم وإلى أين يسيرون؟ وذلك في تساؤلات مفادها: ماالمطلوب من ذكرى الإسراء والمعراج؟. إن المطلوب من ذكرى الإسراء والمعراج هو قلب وعقل يفهمان ما يُكتب ويتذكران ما يسمع ويبنيان حياتهما من جديد بدروس مستقاة من سيرة المصطفى “صلى الله عليه وسلم”. وأول هذه الدروس: يقول الله تعالى في سورة الإسراء، «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”. ويفسرها الإمام السعدي رحمه الله بقوله: “ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها” “أسرى بعبده” ورسوله محمد “صلى الله عليه وسلم” ليلاً من المسجد الحرام الذي هو أجلّ المساجد على الإطلاق إلى المسجد الأقصى الذي هو من المساجد الفاضلة وهو محل الأنبياء..” وعلى ذلك نسأل أنفسنا: ماذا حلّ بالمسجد الأقصى؟ ولماذا يُستهدف؟ وأين الأمة العربية والإسلامية مما يجري في أرض المقدس؟ وهل المسجد الأقصى خاص بأبناء فلسطين فقط أم أن له حرمة كبيت من بيوت الله تعالى يجب الدفاع عنه من قبل المسلمين جميعهم؟ ثانياً: لقد تحمل الرسول “ص” كثيراً في دعوته وكُذب وأوذي وحُورب وعوند كثيراً عندما أثبت للطغاة تلك الحادثة ولم يمنعه ذلك من مواصلة الدعوة والسير إلى طريق التوجيه والإرشاد، فهّلا استشعرنا ذلك وتحملنا نحن الآن وصبرنا حتى يفرج الله تعالى مانحن عليه الآن؟. ثالثاً: في هذه الذكرى انتقلت القيادة الروحية من أمة إلى أمة انتقلت من امة ملأت تاريخها بالغدر والخيانة والإثم والعدوان إلى أمة تتدفق بالبر والخيرات قائلة: إن عهد الظلم والفساد والجاهلية ولّى وأتى عهد الإسلام والإشراق والنور،فهلاّ ملأنا تاريخنا المعاصر بالبر والخيرات والسلام والمودة والتآخي؟ رابعاً: صحب نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) جبريل عليه السلام فكان نعم الصاحب والموجه، وعندما كُذب نبينا(صلى الله عليه وسلم) صدقه أبوبكر الصديق،فهلا اخترنا الصحبة الصادقة والواعية .. الصحبة التي توصل إلى الأهداف بحق وحقيقة؟ خامساً: إذا كان الله تعالى قد أرى نبينا (ص) أرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره فإنه ينبغي لنا أن نغتنم الفرصة لنعمل من أجل أن نصير سعداء ونعلن التوبة مما قصرنا فيه ونبتعد عما يوصلنا إلى الشقاء والخسران في الدنيا والآخرة. سادساً: إذا كان الله تعالى خيرّ نبينا (صلى الله عليه وسلم) بين اللبن والخمر فاختار اللبن فقال له: لقد هديت الفطرة أو أصبت الفطرة- كما في بعض السير- فهلا نجعل الفطرة طريقنا؟ وهلا نتتبع سنن الفطرة ونربي أولادنا على الصلاح والخير بدلاً من الإرهاب الذي يستغل فطر بعض الناس أو الشباب ويلقي بهم إلى التهلكة ويهلك الحرث والنسل ويعمل على القتل والإجرام دون فهم أو دراية أو وعي بسبب التربية الخاطئة. سابعاً: إذا كان النبي (ص) رأى الجنة والنار فهلا اخترنا أي الطريقين صواباً لنسلكه وتكون الجنة مبتغانا ونعمل لأجلها. ثامناً: إذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم؟) رأى أكله أموال اليتامى ظلماً لهم مشافر كمشافر الإبل يقذفون في أفواههم قطعاً من نار كالأفهار فتخرج من أدبارهم فُعدنا إلى الصواب وابتعدنا عن أكل مال اليتيم وما أكثر من يأكل أموال اليتامى هذه الأيام بدافع القوة والغطرسة! تاسعاً: رأى النبي(ص) الزناة بين أيدهم لحم سمين طيب إلى جنبهم لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون الطيب السمين، فهلا دعونا إلى محاربة هذه الرذيلة؟ عاشراً: رأى النبي(ص) النساء اللاتي يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم رآهن معلقات بأثدائهن فهلا استخدمنا جانب الوعظ والإرشاد والتوجيه والنصيحة وحافظنا على نسائنا وبناتنا من الأعمال القبيحة؟ أحد عشر: لقد فرضت الصلاة في هذه الذكرى فهلا استشعرنا قيمة الصلاة وحافظنا عليها في أوقاتها وجعلناها نصب أعيننا رغم كل الظروف؟. أخيراً: كل تلك الدروس لا يتعظ بها إلا من جعل الفهم طريقه والإخلاص والعمل نبراسه والتضحية والثبات على المبادئ سلاحه والطاعة والثقة المسلمة والأخوة رداءه. إن ذكرى الإسراء والمعرج دروسها كثيرة وجليلة وليس العبرة بكثرتها بل العبرة بالفهم والاتعاظ مما سبق لأنها آيات عظيمة وقلبها التطبيق وجعل سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) هي الملاذ الآمن لحل كل المعضلات بعد كتاب الله تعالى القائل«قل إن كنتم تحبون الله ورسوله فاتبعوني يحببكم الله». [email protected]