مرةً كتبت – ولا أظنني مغالياً – أنه إذا كان ولابد من عاصمة دائمة للثقافة العربية فلن تكون غير الكويت، ولننظر في مخرجات هذه العاصمة الشامخة، تجاه الثقافة وتنمية العقول من إصدارات إعلامية ومكتبية، وبأي سعر تباع. “العربي” هي المجلة العربية الوحيدة التي لم تتوقف منذ صدورها عام 1958م، حتى في فترة الاحتلال العراقي للكويت استمرت في الصدور من القاهرة، وقيمتها المادية لا تزيد عن خمسين ريالاً فضلاً عن ملحقاتها: العربي الصغير، والعربي العلمي، وكتاب العربي. ومجلة “الكويت” وملحقاتها هي الأقل سعراً بين جميع الإصدارات العربية، إذ لا تزيد قيمتها عن خمسة عشر ريالاً فقط، ومجلات: فنون، وأفكار، والهوية، والثقافة العالمية، وسلسلة إبداعات، وتتوج الكويت كل إصداراتها الثرية، بسلسلة عالم المعرفة، التي زرعت في كل بيت عربي مكتبة متنوعة وحيوية، من كتب فلسفية وعلمية ودينية وطبية وجيولوجية وتاريخية وفكرية واقتصادية وسياسية، فضلاً عن ترجمات حصيفة ومتميزة، تنفق عليها الكويت بسخاء بالغ، فهي تدفع مقابلاً للحقوق الملكية، وأخرى للمترجمين والعاملين، وتكاليف الطباعة والتوزيع، وتباع بأقل الأسعار، في اليمن ب 250 ريالاً. صحيح أن غالب ما تقوم به الكويت هو إعادة إنتاج للمعرفة، وليس إنتاجاً مباشراً، لكني سأضع سؤالاً من شقين: هل تقدم أحد منتجي المعرفة إلى الكويت بمشروع إنتاج معرفي ورفضته، لا أظن، لنتذكر كيف قدمت وسوقت الكويت مخرجات المثقف الموسوعي نبيل علي، والشق الآخر، ماذا قدمت بقية الدول النفطية للثقافة العربية مقارنة بالكويت؟!. بطريقة أو بأخرى أرى أن مؤسسة الجمهورية للصحافة نموذج مصغر لدولة الكويت في اليمن، مع ضرورة الإشارة إلى شحة الموارد في الأولى، ووفرتها في الثانية. في مطلع تسعينيات القرن الماضي تولى الشاب القادم من السعودية بشهادة البكالوريوس في الصحافة مسئولية تحرير الصفحة الثقافية في صحيفة الجمهورية، فكانت صفحة ثرية وحيوية ومتنوعة، فتوسعت إلى صفحتين، وما لبثت أن تحولت إلى ملحق “الجمهورية الثقافية” ينتظره النخبة والعامة صباح كل خميس. فطريقة تحرير الشاب الصحفي سمير اليوسفي للملحق أكسبته حيوية ورصانة وتنوعاً، وتمكن من إخراج مواهب مطمورة من المثقفين والكتاب والشعراء والقاصين والروائيين، والنقاد والسياسيين، وأخرجت أصواتاً – خاصة في الجانب النسائي – كانت الساحة الثقافية أحوج ما تكون لها. وفي مايو 1999 أصبح الملحق الكبير صحيفة مستقلة، تصدر باسم “الثقافية” وسمير اليوسفي رئيساً للتحرير، ولأني رافقت “الثقافية” صحفياً محرراً فيها منذ بداياتها الأولى حتى انتقال وظيفتي نهائياً من مؤسسة الجمهورية إلى وكالة سبأ في ابريل 2007م، فأنني أشعر بأن شهادتي فيها مجروحة، ولن أتمكن من أعطائها حقها في الوصف والتوصيف، وأقل ما يمكنني قوله إن “الثقافية” ملأت في فترتها بحر الثقافة الجاف في هذا البلد، فهي لم تكن مجر إصدار، بل مركز إشعاع وتنوير وتحديث وتجديد، في مجالات الأدب والثقافة والفكر والسياسة، وجمعت بين حرية الكلمة والمسئولية، وفتحت آفاقاً واسعة في مجالاتها، وفتّحت أعين الناس على ما يجهلون. وليس مبالغةً في القول إن “الثقافية” أدت دوراً استثنائياً في إخراج الصوت النسائي اليمني من عزلته، في مجالات عدة. وبتوقف “الثقافية” المؤقت أصيبت الثقافة اليمنية بانتكاسة أشبه بتلك التي تصيب الثورات عند وفاة قادتها الروحيين. القرار الجمهوري الصادر في مايو 2005 بتعيين سمير اليوسفي رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الجمهورية – رئيساً لتحرير “الجمهورية” اليومية لم يأخذ “سمير” كثيراً عن الاهتمام بالأدب والثقافة والسياسة، وأظن ذلك ما دفعه لإصدار الملحق المجاني “كتاب في الجمهورية” ففي كل يوم رمضاني يجد القارئ اليمني أمامه كتاباً عظيماً يوزع مجاناً، وبإخراج يأسر الوجدان، ويصحب ذلك لوحات تشكيلية بديعة تمنح القارئ رحلةً سياحية ممتعة، وأعتقد أن ذلك خدمة استثنائية للثقافة والمثقفين في هذا البلد. شكراً لك أبا عمار اليوسفي، وشكراً للرائع دائماً محمد اللطيفي المشرف على “كنز في الجمهورية”. [email protected]