أين يقع الواجب الأكبر في تنشئة العلماء من كتاب العلم وبناء الامم للدكتور راغب السرجاني أقتبس منه معاني مضيئة من تاريخ أمتنا العظيمة من خلال اقتطاف غصون غضة أو طرية يفوح منها عبق التاريخ المعطر بأكاليل المجد ويتطاير شذى عطرها فيملأ الدنيا جمالاً وجلالاً وأخلاقاً عظيمة وطهراً ونقاء، جاء في الفصل الخامس من الكتاب موضوع في غاية الأهمية يحمل عنوان: “تنشئة العلماء”. فقال: “يقع الواجب الأكبر في إخراج العلماء وتنشئتهم على عاتق قطبي الأسرة: الأب والأم، فهما المظلة الحقيقية التي يخرج من تحت عباءتها العلماء وهما البلد الذي يخرج نباته كما يسقى ويغذى.. يقول تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً} الأعراف:58. والأبوان غالباً ما يحددان وجهة الطفل ومصيره، وقد ذكر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه فقال: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء”، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم”. وعندنا في كتب الطب أن الطفل يولد بمخ كأنه لوحة جرداء ليس فيه شيء، لكن هذه اللوحة الجرداء تتعرض بعد ذلك لمعارف الآباء والأمهات الذين يخطون أو يرسمون في اللوحة الجرداء ما يشاؤون حسب ثقافتهم، فإما أن يشوهوا هذه اللوحة الجرداء، فيشخبطون فيها خطوطاً “عوجاء” أو منحرفة وألواناً قاتمة وبقعاً سوداء فيشب الطفل على ما كان عوده أبوه أو أمه من تنشئة وإما أن يجد هذا الطفل أبوين يخطون أو يرسمون في مخه خطوطاً مستقيمة من تربية متوازنة وثقافة راقية، فينشأ على الصلاح والاستقامة لكن الذي نراه اليوم لا يدل على أن الكثير من النشء قد تلقى تربية متوازنة أو ثقافة، بل نجد الأطفال على أسوأ حال في تعاملهم مع بعضهم البعض ومع الذين يكبرونهم سناً أو يصغرونهم، بل إننا نرى الأطفال ونرى الشباب لا يجدون من يهتم بشئونهم التربوية والأخلاقية والسلوكية ولا يجدون القدوة الصالحة التي يعتدون بها في تعاملهم وفي أخلاقهم بل يجدون أباء وأمهات “معذرة” من “حق الجن” إلا من رحم الله. أطفال وشباب يبقون خارج بيوتهم إلى وقت متأخر بعد صلاة العشاء يؤذون الجيران ويؤذون الناس في بيوتهم عن طريق تفجير “الطماش” وتفجير عبوات مفزعة من “الديناميت” ولا يجدون آباء ولا عقال ولا وجهاء ولا رجال أمن حقيقيين يربونهم أو يوجهونهم أو يأخذون بأيدي المسيئين، وأنه من المضحك في الأمر أن يصف الكبار الأطفال بأنهم “شياطين” وكأنهم لا يعلمون أنهم هم من علمهم “الشيطنة”.