نريد من التربية أن يتعلم أبناؤنا الصدق والوفاء والإخلاص والتسامح.. نريدهم أن يعتبروا الكذب «منقصة» والغش مذمة والخيانة مأثمة، بحيث تُسطّر هذه المعاني في قلوبهم وتُنقشُ في عقولهم وتستهويها نفوسهم وأذواقهم وتصير سلوكاً يمارسه الجميع وتقليداً لايحيد عنه أحد وعرفاً لايخرج عنه إلا كل شاذ أو ناقص. نريد من التربية أن ينهض الرجال والنساء لمواجهة مسئولياتهم فيتقنوها، ومعرفة واجباتهم فيؤدوها خير أداء، ومعرفة حقوقهم فيقفوا عندها ولايتجاوزوها..نريد من التربية أن نلجم ألسنتنا ونطلق عقولنا وأن نوازن بين حاجة بطوننا للغذاء وحاجات عقولنا للمعرفة.. نريد من التربية أن يحسن الشباب «ذكوراً وإناثاً» اختيار شريك حياتهم: «اختاروا لنطفكم».. «إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير» و«تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ونسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك». نريد تربية تسمح للشباب بالزواج بدون مغالاة للمهور عندما يصلون سن النضوج ليس النضوج الجنسي وإنما النضوج النفسي والعقلي والروحي والعاطفي الذي يسمح للشباب أن يحب بصدق فيعرف تكاليف الحب وينجب عندما يكون قادراً على فهم وتقدير مسئولية الإنجاب، فيتحمل أعباء النفقات في توفير متطلبات البنين والبنات في البيت والمدرسة ويقدر الأمور قبل وقوعها.. نريد تربية تنشئ شباباً يبني حياته على التخطيط ويمضي بخطوات متأنية في رسم مستقبله ومستقبل أبنائه، يدرك بوعي مايقبله ومالا يقبله.. ماهو ضروري وما ليس بضروري ليس فقط على مستوى شراء السلع والمقتنيات وإنما أيضاً على مستوى قبول الصح ورفض الخطأ في كل أمور الحياة من خلال رؤية معتدلة ومتوازنة بعيدة عن شطط التفكير وإعتلال المزاج. نريد تربية تلهم بناتنا الصمود في مواجهة الموجة الكاسحة للثقافة الغربية التي تسعى بكل الوسائل أن تمسخ شخصية الفتاة العربية والمسلمة لتصبح نسخة «منسوخة» من الفتاة الغربية في طريقة لبسها ومكياجها وتبرجها وابتذالها.. ليس ذلك وحسب وإنما تسعى الثقافة الغربية أن تصدّر لنا كل تجاربها الفاشلة في رفض الأمومة ورفض الأسرة وحتى رفض الزواج «واستبداله بالصاحب أو الصديق» أو «الخدن».. نريد تربية لفتياتنا تجعل منهن أمهات صالحات لإنجاب المبدعين والمتفوقين والناجحين في التعامل مع كل شئون الحياة بعيدات عن مجالس الغيبة والنميمة ومضغ القات وتعاطي التدخين والانخراط في التفاهات.. التربية التي نسعى لتأسيسها هي التربية التي تجعل الفتيات يحترمن أنوثتهن فلا يسترجلن، ويشعرن بأهمية دورهن في تربية النشء وإعدادهم إعداداً سليماً للحياة فلا يستكبرن ولا يترفعن عن أدوارهن في تأمين سلامة الأسرة ورعاية أبنائهن وبناتهن، حيث يجب أن يكن إلى جوارهم حتى يشبوا عن الطوق..وهي التربية التي تجعل الفتيان يحترمون رجولتهم فلا يتشبهون بالنساء، بل تجعل الفتى يشعر بقيمته وذاته كونه رجلاً مثلما تجعل الفتاة تشعر بالعزة والفخر كونها امرأة. نريد تربية لاتسمح للزوجين أن يتلاعنا أو يتلاحيا أو يتسابا في أي مرحلة من مراحل حياتهما الزوجية، بل يتحابا ويتوادا حتى ينعكس ذلك السلوك على الأبناء والبنات في تعاملهم مع بعضهم وفي علاقاتهم مع الكبار والصغار.. تربية لاتسمح للجار أن يؤذي جاره ولاتسمح للقاذورات أن يُرمى بها أمام بيت الجيران ولا في قارعة الطريق.. تربية تغرس في الأبناء أهمية النظافة وأهمية الذوق وأهمية حلاوة اللسان وأهمية خدمة الناس ومساعدتهم واستباقهم في تقديم الخير وصناعة المعروف.. نريد تربية تعتبر التسول للصغار والكبار كارثة مجتمعية كبيرة إن رأيناه يمارسه الصغار فهو دليل على سوء التربية وإن رأيناه يمارسه الكبار فهو دليل على انحرافهم وقلة عقولهم وضعف نفوسهم وقلة حيائهم باستثناء العجزة والمعوقين. أما ما نراه اليوم من تطبيع للعلاقة مع التسول فهو انهيار مجتمعي نفسي وعقلي وأخلاقي لايجب قبوله أو السكوت عنه من كل العقلاء وفي مقدمتهم رجال التربية والفكر والثقافة وعلماء الدين المشهود لهم بالعلم والفطنة ورجاحة العقل غير أولئك «الدراويش» من أدعياء الوعظ الذين لايفعلون شيئاً مفيداً ولايقولون مايفيد سوى أنهم «ظاهرة صوتية» تفرق الناس ولاتجمعهم وتنفرهم ولاتستميلهم، تخرق طبلات آذانهم ولاتنفذ إلى قلوبهم، كما أن التربية التي يجب أن نسعى جميعاً إلى تحقيقها هي أن نربي أجيالاً من الآباء والأمهات لاينجبون «إمعات» تسيرّهم عقول مهزومة وهمم فاترة أو واهنة.. وقيادات اجتماعية أو سياسية أو ثقافية منحرفة لاتعرف الله ولاتدين بالولاء لوطن أو عقيدة.. نريد تربية تقرّب الإنسان من الله وتبعده عن الشيطان.. تربية تجعل الإنسان كلما همّ وسوّلت له نفسه ارتكاب خطيئة أو إثم يذّكر نفسه أن يقرأ:«ألم تعلم بأن الله يرى»؟؟..