ثمة محاولات يائسة لإعادة اليمنيين إلى مربع الاقتتال والبقاء في حلقة الأزمة المحكمة على رقابهم، وتبرز بعض أوجه تلك المحاولات اليائسة في تفجير الألغام لتعطيل جهود استكمال مسيرة التسوية السياسية السلمية. ولعل أبرز مظاهر تفجير الأوضاع تلك الرصاص التي تحاول بين الحين والآخر اغتيال بعض الشخصيات والرموز الوطنية أمثال: الأستاذ علي أحمد العمراني - وزير الإعلام - الذي تعرّض لمحاولتي اغتيال متتاليتين، نجا منهما بأعجوبة، وكذلك الحال فيما يتعلق بمحاولتي الاغتيال اللتين تعرّض لهما هو الآخر الزميل الأستاذ يحيى العراسي - السكرتير الإعلامي لرئيس الجمهورية - وغيرها كثيرة من جرائم الاغتيال التي انطبعت في الذاكرة خلال فترات ما بعد قيام الوحدة عام1990م، وذلك عندما تعرضت العديد من الشخصيات الوطنية للاغتيال، ودفعت لمواقفها السياسية ثمناً باهظاً من دمائها كالشهيد الوحدوي عمر الجاوي ورفاقه، ومسلسل الاغتيالات التي تكررت وكان آخرها اغتيال الشهيد الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني ومعه جمع من الشهداء في حادثة تفجير جامع النهدين لتتوالى حوادث التفجيرات في ساحة العروض، وأمام كلية الشرطة، وأخيراً الاشتباكات الدموية المؤسفة التي جرت بين أفراد من شرطة النجدة وحراسات وزارة الداخلية، وهي الجرائم التي أودت بحياة المئات من القتلى والجرحى في سفرٍ طويل من الدم، وفي معارك هامشية تُحيد اليمنيين عن وجهتهم الأساس في إعادة الإعمار وترسيخ الاستقرار، والبدء بتنفيذ مرحلة النهوض وإعادة البناء. وإذا كان هناك من يحمل دولاً بعينها التدخل في الشؤون اليمنية وسعيها لدق إسفين بين الأفرقاء على الساحة الوطنية، فإنني هنا لا أبرئ أحداً من قوى الداخل في مسؤوليتها على هذا الحال الذي وصلت إليه الأوضاع من خلال إبقاء الوطن بمثابة إسفنجة تمتص مجمل الاختلافات والتناقضات الإقليمية لتصفية حساباتها في الداخل اليمني، فضلاً عن عدم امتلاك القوى الوطنية - وعلى مدى العقود الأخيرة - لمشروع وطني نهضوي يحافظ على وحدة النسيج الاجتماعي تجاه تلك التدخلات والتحديات التي ما انفكت تتواصل لضرب وحدة هذا النسيج وتحويل الساحة المحلية إلى بؤرة صراعات وحروب بالوكالة لتصفية حسابات إقليمية كما هي الحالة في أنموذج صعدة والقضية الجنوبية؛ حيث ضللنا في منأى عن مناقشتهما بصدق وموضوعية في وقت مبكر، حتى أضحتا ككرة النار الملتهبة المتدحرجة. وهي أمثلة بسيطة على حجم وخطورة التدخلات الخارجية - إذا ما عزلنا الأسباب الداخلية الموجبة لها - وهو مثال بسيط على حجم التدخلات في الشأن الداخلي؛ حيث كشفت الكثير من التحقيقات عن إلقاء القبض على مجموعات جاسوسية تتحرك في أرجاء الوطن؛ لتنفيذ وتمويل عمليات تستهدف تقويض الأمن والاستقرار، وهو ما كشفه مؤخراً المشير عبده ربه منصور هادي - رئيس الجمهورية - عن إلقاء القبض على شبكة إيرانية تعمل في الداخل اليمني، محذراً من مغبة هذه التصرفات العدائية والتي تضر بالمصالح الأخوية المشتركة. ومن المؤسف القول: إن ازدياد أنشطة الخارج باستهداف أمن الداخل اليمني يرجع إلى - في الأساس - هشاشة التلاحم الوطني والضعف الواضح في أداء حكومة الائتلاف، منذ أن تحملت مسؤولية إدارة شؤون البلاد على قاعدة المبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن في هذا الشأن، حيث يرجع هذا الضعف لغياب المشروع الوطني المتكامل الذي يعزز من وحدة التلاحم الداخلي، ويجابه مخاطر التدخلات الخارجية، الأمر الذي يتطلب استنفاراً عاجلاً لكافة القوى السياسية وضرورة تماسكها، وبما يعزز القواسم المشتركة بينها، والبدء فوراً بانعقاد جلسات الحوار الوطني الذي يعتبر جزءًا من منظومة الإصلاحات خلال الفترة الانتقالية. ولأصارحكم القول بأنه وقبل كل هذا وذاك أن تتخلص هذه القوى أو بعضها من التبعية للخارج؛ باعتبار أن ذلك هو الخطوة الأولى لاستبدال فوهات البنادق بشتلات الزهور، والتفرغ لحصاد سنابل القمح بدلاً عن زراعة الألغام!!