لم يكن رجب طيب أردوجان - رئيس وزراء تركيا - يتوقع أن تصل الأوضاع في سوريا إلى هذا المستوى من العنف والتبعات التي حذر منها كثيرون عن استنتاجات عميقة للمعارك الدائرة في سوريا من أقصاها إلى أقصاها والدمار الهائل في المدن وأريافها وقتل المدنيين والمقاتلين من طرفي النزاع بدم بارد ووحشية صنفت بأنها إبادة جماعية وجرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي. هكذا يصف بعض السياسيين القلق التركي؛ فحزب العمال الكردي التركي يوشك أن يستولي على المحافظات السورية المحاذية للحدود التركية ذات الأغلبية الكردية المطلقة بفضل الفراغ الذي شجع الرئيس الأسد على إطلاق يد الأكراد السوريين فيها لعدة أمور منها تحييدهم عن المعارضة بجيشها الحر ومجلسها الوطني وانضمامهم إلى إخوانهم في المحافظات الثمان، وبالتالي التقاؤهم بأبناء جنسيتهم من أكراد تركياوالعراقوإيران، وهذا التجمع لا يقلق تركيا بل يزعج إيرانوالعراق، وإن كان الواقع في شمال العراق قد فرضته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها من أكثر من ثلاثين دولة وبينهم بعض العرب منذ غزو العراق للكويت عام 90م من القرن الماضي. وقد يتصور الأتراك والإيرانيون أن الدعوات لإقامة مناطق عازلة في سوريا وفرض حظر الطيران وإقامة ممرات آمنة على غرار ما فعلوه في العراق حتى عام 2003م الذي برزت فيه الدولة الكردية شبه المستقلة، ودخلت بعد ذلك الوقت في خلافات أمنية وعسكرية واقتصادية كالتي تحدث بين دولتين مستقلتين عضوين بالأمم المتحدة وتوترات تخللها الحشود والاستعدادات العسكرية على طرفي الحدود كما حدث الأسبوع الماضي بسبب قيام حكومة مسعود برزاني بإبرام اتفاقيات نفطية تقوم بموجبها شركة توتال الفرنسية بالتنقيب عنه في عدة مواقع من الإقليم، والاحتجاج على ضخ النفط العراقي إلى تركيا عبر الأنابيب والشاحنات وكذلك على زيارة وزير خارجية تركيا لمدينة أربيل. والأتراك هم الطرف الأكثر توغلاً في الشأن السوري علناً، وما حادثة إسقاط الطائرة العسكرية التركية بصاروخ سوري قبل حوالي الشهر ونصف إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، ولم يتوقف أردوجان عن التهديد من عواقب إسقاط الطائرة برد تركي حاسم بل تعداه إلى طلب حلف الأطلسي للتدخل؛ كون تركيا عضواً مهماً فيه منذ تأسيسه في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، والذي ينص دستوره على اعتبار أي عدوان على دولة من أعضائه عدواناً على دول الحلف مجتمعة، وتركيا اعتبرت إسقاط طائرتها العسكرية عدواناً عليها رغم أن السوريين قالوا إنها انتهكت أجواءهم البحرية. وأما الإيرانيون فهم يتبعون سياسة الترقب لما ستؤول إليه الأوضاع بين تركياوسورياوالعراق ويراقبون تحركات أكرادهم العلنية والسرية وعيونهم على الحدود العراقية السورية ولكن بثقة واطمئنان من إرسال كتائبهم إلى سوريا وإلى شمال العراق، وأن حكومة نوري المالكي لن ترفض أي طلب إيراني من هذا النوع، كما ترفض التدخل التركي، ولا تصدق ادعاءات وزير خارجية تركيا لأربيل بأنها لا تتعارض مع سياسة تركيا الثابتة تجاه استقلال العراق وسلامة وحدته الجغرافية والديمغرافية والواقع غير ذلك.