العبارة السابقة تنسب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي من الكلام المختصر الموجز الذي يحمل معاني كثيرة، والعبارة في أبسط معانيها لا تحكم على الجماعات والأحزاب والأجناس بأخطاء بعض المنتسبين إليها, ولكن احكم عليها من خلال مناهجها وفكرها الذي تحمله، وهي قاعدة جليلة في كيفية إصدار الأحكام على المغاير سواء كان حزباً أو جماعة؛ والسبب في ذلك أن الأفراد مهما كانت درجات صلاحهم معرضون للأخطاء والتقصير. إن من أهم أسباب وقوعنا في الخطأ هو تعميم الأحكام، فالأسرة الفلانية أو القبيلة أو الجنس الفلاني أو الحزب أو الجماعة فاسدة؛ لأن فيها فلاناً ومن صفاته كذا وكذا، ورأيناه يفعل كذا وكذا, ثم يقوم بصورة فجة وغير ناضجة ويعمم ذلك الحكم على جماعته أو حزبه. على أن الفرد أيضاً ليس شراً محضاً؛ فكثير من الناس تعتريه لحظات ضعف فيمارس شيئاً مخلاً بالشخصية السوية أو الآداب العامة, لكنه لا يلبث أن يعود مرة أخرى إلى رشده فيستقيم حاله.. ما من أحد يستطيع أن يزعم لنفسه الصلاح المطلق بمن فيهم العلماء أنفسهم؛ ولذلك لا أحد يعمم على مجتمع الصحابة مثلاً بعض الأحكام؛ لأن بعض أفراده ارتكب خطأ, فمن الصحابة من زنى ومنهم من قذف ومن عيّر أخاه بجنسه أو لونه وفي هذا السياق يحضرني قوله تعالى: «ولا تزروا وازرة وزر أخرى»، ومعنى الآية أن كل ذات ظلمت نفسها لا تحمل إثمها نفس أخرى، هذا مراد الآية في أبسط معانيها وأوضح صورها. على أن بعض الناس يقوم بمثل هذه التعميمات لمرض في نفسه وقناعات مسبقة عن الآخرين, وهذا الصنف من الناس لا يصمد كثيراً عند النقاش والجدل فيسقط في يده؛ لذلك من الأفضل عدم نقاشهم؛ لأنهم ينطلقون في خصوماتهم من أحكام وقناعات مسبقة لا يريدون تغييرها، وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان والجدل مع مثلهم نوع من الترف والسفسطة «وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها». إن قناعات هؤلاء الرابضة وراء أكوام من التعصب المقيت والقناعات الجاهزة تمنعهم من التفكير بحيادية وموضوعية، ومن ثم تأتي أحكامهم مشوّهة ناقصة مجتزأة، ليس بوسعها إقناع الرجل العادي, فضلاً عن الحصيف، ومثل هذه الأحكام شاهد حي على عدم جدية أصحابها في الوصول للحقيقة وهم يناقشون للنقاش ذاته ومن أجل ذاته. ماذا لو تسلح مثل هؤلاء بالموضوعية والإنصاف وقليل من الشجاعة (مش كثير) عوضاً عن هذه القناعات المغلفة والجاهزة، ثم راحوا يصدرون أحكامهم على الآخرين!؟ لو فعلوا ذلك إذاً لأراحونا وأراحوا أنفسهم من كثير من اللتت وكثير من اللجج الذي لا يفيد!.