(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين) هذا التشريف والتكريم للإنسان بنفخة الروح قد جاء بعد تسوية جسد مناسب لتشريف الروح ونفخة النور .. فجاء جسد الإنسان معجزة وتسوية كريمة بأجهزة غاية في الروعة والإتقان تليق بالروح والتكريم والمسؤولية مهيأ للإبداع والسيطرة على من حوله ،وبروحه وجسده يكون أشرف كما هو أقوى من الأرض والجبال والمجرات والذرات وجميع مافي الكون الذي لم يتشرف أي منها بنفخة الروح ولا تتحمل تجلي الحق( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا...)ولهذا كان الانسان لا غيره خليفة الله في أرضه وهو وحده من أعطي الحرية وحق الاختيار والمسؤولية التي أهلته دون غيره لتحمل الأمانة دون سائر المخلوقات (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)ولأجل ذلك التميز الذي لاءم بين آية الجسد وإعجاز الروح فقد سخر له ما في الكون ليكتمل التشريف وتستقيم المسؤولية (وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ومع هذا يتهافت الانسان نحو الجحود ويظهر بعيداً عن المسؤولية والتكريم (ظلوماً جهولاً) ..لنقف هنا أمام هذا الجهل والجحود والظلم الغريب الذي يرتكبه الانسان في حق نفسه المكرمة فيهينها بالجحود ويقودها الى الانتكاسة ، فأي انحراف أوظلم أوطغيان إنما يخرجه من مستواه الرفيع ويسحب منه التكريم ويتدنى إلى أرذل مستوى(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) إنه تعطيل عام للسمع والعقل وتخريب شامل للحواس وحاسة التأمل والتفكر ، اعتداء على الروح والتفريط بنعمة التكريم وإضاعة فرصة لم تعطى للملائكة المقربين ، إنه البؤس والشقاء يسعى له الانسان بيده وغرائزه الدنيا ويأبى التكريم والسمو الرفيع الذي يليق به كمركز للكون وسيد له. [email protected]