كان شهر رمضان على مر العصور الإسلامية - ولا يزال- موسماً خصباً للخير والطاعات والتقرب إلى الله بالإحسان إلى خلقه ، فتجد فيه النفوس ميالة نحو البر والرفق بذوي الحاجات ، وتفقد الضعفاء والمرضى منهم ، وتلمس حاجاتهم ، وهذا ما يتجلى بأروع الصور في شعبنا اليمني الكريم الذي نعته النبي – صلى الله عليه وسلم- بالأرق قلوباً والألين أفئدة ، حيث تجد الناس في تنافس عظيم على البذل والمعروف والعطاء ، والاستجابة لكل نداء وتلبية كل استغاثة ، وتفريج كل كرب وتنفيس كل هم ، سواء بصورةٍ فردية ٍأو في أطرٍ مؤسسية وجمعية ، وهذا مما يثلج الصدر ، ويجدد الأمل في حيوية وخيرية هذه الأمة المباركة .. وهكذا في هذا المسار الإنساني الراقي تعمل المؤسسات والجمعيات الخيرية في بلادنا بشكل دءوب وحثيث لتخفيف معاناة الناس ، ومساعدتهم في التغلب على نوائب الدهر ونكباته، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية سيئة للغاية ، وفي ظل تزايد مستمر لأعداد البؤساء ، ممن أنهكم الفقر والبطالة ، واضطرهم إلى الاصطفاف في طوابير المستفيدين من خدمات هذه المؤسسات الخيرية. ولا أحد يستطيع جحود هذا الدور الإنساني العظيم في تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يعتبر ركيزة أساسية في النظام الاقتصادي الإسلامي.. ومع تقديرنا لهذه الجهود الطيبة والمباركة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الدقيقة التي تعيشها بلادنا في الوقت الراهن، إلا أننا نجد بعض الأمور المؤسفة ، حيث وُجد كذلك من يقوم باستغلال حاجة الناس وفقرهم استغلالاً رخيصاً ، ووجد في صفوف من يحسبون على المحسنين والقائمين على الأعمال الخيرية من يصنف الناس تبعاً لولائهم الحزبي والسياسي ، وليس وفقاً لمستواه المعيشي ومدى حاجته للخدمات المقدمة من هذه الجهات الخيرية ، وأصبح العمل الخيري – عند البعض- للأسف يشكل ميداناً آخر للمنازعات والمناكفات السياسية والحزبية ، ووجهت هذه الأعمال الإنسانية السامية نحو أهداف دنيئة وضيقة ، وانحرفت عن مسارها الأصلي، وغايتها العليا، وهي تحقيق رضا الله تعالى بالإحسان إلى عبيده، وتقليص مساحة البؤس والفقر في المجتمع، انحرفت عن هذا المسار السامي لتزيد من عمق الشروخ الاجتماعية ، عوضاً من المساهمة في رأبها .. كما عمد البعض إلى تشويه صورة الآخر بين الناس ، والتشكيك في أعماله ونواياه ، ليُعمل في النسيج الاجتماعي تمزيقاً وتفكيكاً .. وليدخل المواطن المسحوق والمغلوب على أمره في دوامة الاستقطابات وشراء الولاءات ، ومعارك لا ناقة له فيها ولا جمل ، ويضيف إلى معاناته اليومية وهمومه اللانهائية هماً جديداً هو هم التمكن من احتراف ممارسة النفاق والتلون والتشكل تبعاً لمتطلبات الموقف والجهة المحسنة. ومع ذلك فما زال الخير موجودًا، ولازالت مساحة النور أوسع من بؤرة الظلام ، ولا يزال الجنود المجهولون ومن يعملون بصمت وإخلاص في هذا المجال كُثر، ولكن البقعة السوداء تظهر بوضوح في الثوب الأبيض وتشوهه، فوجبت الإشارة إلى موضع الألم كي نتمكن من مداواته والتخلص منه .. وكل عام وكل شهر وكل يوم ووطننا وشعبنا بخير.