الدولة اليمنية الحديثة ليست استبدال أشخاص بأشخاص وأسر بأسر وعشائر بعشائر وقبائل بقبائل وأحزاب بأحزاب،تنطلق من نفس الثقافة وتتصرف بنفس العقليات المتأثرة بنفس الثقافة وبنفس العقلية العصبية المتخلفة سواءً من وقع الإحساس بالقوة الفاعلة من موقع الفعل والقدرة عليه أو من موقع الإحساس بالضعف المتأثر بردود الفعل المستضعفة والراغبة في الانتقام وما ينتج عنها من محاولات جنونية تهدف إلى تكرار ثقافة الاستكبار والاستجبار والاستضعاف والاستقواء بالخارج على الداخل.. أقول ذلك وأقصد به ربط الحاضر والمستقبل بتراكمات الأخطاء التي حدثت في الماضي يؤكد كل يوم أن التسوية السياسية مازالت محاطة بالكثير من الأخطارالدالة على تأثر أطراف الصراع بثقافات وسلوكيات ونزعات ثأرية تعيد إلى الأذهان ذلك الماضي الذي لا نتذكر عنه سوى الرغبة في تدمير أسس الدولة يجعل الحديث عن بناء الدولة المدنية الديمقراطية دولة النظام وسيادة القانون والمواطنة المتساوية مجرد شعارات يحاول فيها المنتصر أن يملي شروطه على من يعتقد خطأ أنه المهزوم رغم ما قدمه من التنازلات التي أضعفت ما كان لديه من القوة ويشبع رغباته الانتقامية المتأثرة سلباً بما تراكم لديه من نزعات ثأرية معبأة بالثقافة المستبدة التي تتخذ من الحديث عن الدولة المدنية الديمقراطية ستاراً تخفي الحقيقة لا تتوقف عند حدود فاصلة لما اتفق عليه من المبادرات والتسويات السياسية المحدودة بالحدود المعقولة والمقبولة للشراكة الوطنية المبنية على قاعدة الوفاق والاتفاق الوطني والتنازلات المتبادلة بدافع الاقتناع بأن البديل يوجب الاتفاق على قيام الدولة المدنية الديمقراطية المسلحة بالمرجعيات الدستورية والقانونية المحكومة بحسن الإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني وما سوف ينتج عنه من القرارات والتوصيات الديمقراطية الممثلة للإرادة الجماعية للشعب اليمني المفتوح على الجميع بلا شروط ولا حدود ولا قيود الذي تتحول فيه جميع الأطراف السياسية المتصارعة والمتحاربة على السلطة والثروة إلى أطراف مختلفة في الأفكار والبرامج المتنافسة بالأساليب السلمية ذات الصلة بالوحدة والديمقراطية والعدالة والتنمية الدائمة والمستمرة للجميع وبالجميع، نجد فيها من كانوا بالأمس يتهمون بعضهم البعض بالعمالات والخيانات الوطنية والشمولية والأنانية الهادفة إلى إلغاء الآخر وإزاحته من الدائرة الديمقراطية للمنافسة في سياق التداول السلمي للسلطة والثروة والقوة والاستضعاف النتنة، مكرسين اليوم نفس الثقافات العدائية والشمولية التي مارسوها واحتكموا لها بالأمس.. أقول ذلك وأقصد به أن المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه والمشترك وشركاءه الذين عرفناهم بالأمس يتبادلون تهم العداوة المتأثرة بالثقافة الشمولية الهادفة إلى الإقصاء والإلغاء، قد تحولوا اليوم إلى إخوة يحترمون حق بعضهم البعض في الشراكة المبنية على قاعدة المواطنة اليمنية ذات الحقوق والواجبات المتساوية، أي الثقافة الديمقراطية الجديدة والبديلة لما قبلها من الثقافات الاستبدادية غير الديمقراطية، وحينما أتحدث عن المؤتمر وعن المشترك كأحزاب وتنظيمات سياسية متشاكلة أتحدث عن أشخاص وعقليات تؤكد كل يوم أنها لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالمبادرة والآلية، أتحدث عن قيادات سياسية متمترسة في المواقع الأمامية للهيئات الحزبية وقعت على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية شكلاً وظاهراً ورفضتها مضموناً.. لاحقة للأزمة.. هؤلاء القادة السياسيون يجب أن تكون لهم خطابات سياسية أو دعائية تدل على اقتناعها بما وقعت عليه والتزمت به وشاركت بمقتضاه في السلطة مختلفة عن خطاباتهم السياسية والدعائية السابقة المحرضة على الكراهية والحقد والغدر لأن الاستمرار بهذا النوع من الخطابات والعلاقات المتناقضة والمتشاكلة يعيد الجميع إلى المربع الأول. ويجب أن تكون الخطابات الجديدة داعية إلى التسامح والإخاء والتعاون والتكافل باعتباره الجديد الثقافي الذي يساعد جميع الأطراف على استعادة ما فقدوه من الثقة والوحدة بين أبناء الشعب الواحد بكل تكويناته العشائرية والقبلية والحزبية والسياسية التي تأثرت سلباً في التداعيات المؤسفة للأزمة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، لكن ما يحدث في الجمهورية اليمنية أن الخطابات والكتابات والوسائل الحزبية والدعائية نلاحظها بعد المشاركة في حكومة الوفاق الوطني وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة تستجر نفس الثقافة وما تنطوي عليه من مشاعر معادية للدولة المدنية الحديثة، رغم ما قطعته من شوط في إجراءات النقل السلمي للسلطة مازالت هي الخطابات والكتابات المعادية للدولة المدنية والمنكرة للمواطنة المتساوية ودولة النظام وسيادة القانون المحرضة على الإثارة والمكرسة للكراهية والحقد والغدر وإلغاء الآخر واجتثاثه بصورة تتنافى مع أبجديات بناء الدولة المدنية الحديثة دولة المواطنة المتساوية وسيادة القانون، مستهدفين رموزه وقياداته الأولى ومتجاوزين ذلك إلى التصفية التعسفية الجماعية بأساليب ووسائل سياسية لا تتفق مع مرحلة الوفاق والاتفاق الوطني لما لديه من الكوادر القيادية في جميع الوظائف على امتداد الشكل الهرمي للدولة بكافة مؤسساتها العسكرية والمدنية بصورة شمولية تتنافى مع الدستور والمبادرة والقوانين النافذة، وهذا أسلوب لا يخلف سوى الكراهية وتراكم الأحقاد.