كانت الدعوة لعالم واحد يتخلّى طواعية عن الرعب النووي واحدة من المتكآت الأخلاقية للبريسترويكا السوفيتية السياسية. غير أن الأيام أسفرت عن نتائج مفارقة تماماً لتلك النظرة الطوباوية التي حدَتْ بغورباتشوف وأنصاره إلى التنازل الحر عن منطق الحرب الباردة ، فاليمين الأمريكي الريغاني وامتداداته الجمهورية اعتبر ما جرى تأكيداً للمصير الحتمي للنظام الاشتراكي، وأن مركزية الولاياتالمتحدة أمر لا مفر منه، وأن التناغم مع النموذج الأمريكي يُتوِّج التاريخ المعروف بزمن سرمدي أمريكي، بحسب “فوكوياما”، وأن البديل للتناغم مع النموذج الأمريكي يعني حرباً كونية مدمرة، بحسب “هنتنغتون”، وأن تلك الحرب الشاملة ستأتي ترجماناً لنواميس ربانية مسطورة في لوح الغيب، وأن معركة “هرمجدون” العالمية التي تسبق عودة المسيح عليه السلام فرض واجب على من يتداعى مع المسيحية السياسية البروتستانتية في شكلها الطائفي الأكثر راديكاليةً، في من يُسمون بالانجليكانييِّن، القائلين بأن الإيمان الصحيح بالعهدين القديم والجديد يقتضي الإيمان بمعركة الحسم الأخيرة التي تتوج النهاية المحتومة، لتُعلي كلمة الله في الأرض !! . تلك الثقافة التي تسلَّلت على حين غفلة من العلمانية “الأورو أميريكية” التاريخية، كانت كفيلة بنشوء مزاج سياسى يعتمد المبادءات الاستراتيجية، ويقول بحرف العبارة: إن مصالح الولاياتالمتحدة الحيوية تمتد إلى حيت تمتد اليد الأمريكية، وأولها عموم الشرق الأوسط الكبير الذي يمثل في هذه اللحظة التاريخية، الفناء الخلفي الحقيقي للولايات المتحدة!. وبالمناسبة.. هذا كلام ليس من عندي، بل إنه مسطور في البرنامج الانتخابي للجمهوريين الجدد على عهد بوش الأب. [email protected]