كانت حسابات الاستراتيجيين الأمريكان لما بعد بيريسترويكا غورباشتوف، قائمة على فرضية جوهرية تتعلق بمعادلة الحرب الباردة والثنائية القطبية التي انتفت بانتفاء الاتحاد السوفيتي. غير أن هذه الحسبة التي تبدو مبررة في ظاهرها، تقاطعت مع تلك الاندفاعة المُتسرِّعة لليمين الجمهوري الذي كاد أن يُصدِّق بأن ذلك الانهيار الحر للتحدي الكبير يعني تماماً انتصار النموذج الأمريكي، وقد لاحظ الجميع أن هذه التداعيات السياسية الفكرية تقاطعت ضمناً مع شكل من أشكال النزعة الدينية الايدولويجة التواقة إلى “هرمجدون” الأسطورية النابعة من التوقعات الدينية المرصودة في أساس “البروتستانتية الانجليكانية”، كما تقاطعت أيضاً مع النزعة “النيتشوية” المُعتدَّة كثيراً بثقافة القوة، وحرق المراحل، والاعتقاد الجازم بأن “الفوضى البناءة” تعني تخطِّي العتبات، وإلغاء المنطق التسلسلي في صُنع المبادرات الاقتحامية الكبرى التي على وزن الحرب العالمية ضد الارهاب. باشرت إدارتا بوش الأب وبوش الابن تلك الحرب التي بدا المبرر لها واضحاً بعد غزو نظام صدام حسين للكويت، على عهد بوش الأب.. غير أن ذات المبادرة الاقتحامية العسيرة بدت متهافتة على عهد بوش الإبن، وأحداث سبتمبر، فقد حرص مفتشو أسلحة الدمار الشامل الأكثر مهنية ومنهجية على رفض التبرير لشن تلك الحرب الجهنمية، ولعل البروفسور البريطاني المنتحر والذي كان مُعتمَداً على عهد “توني بلير” بوصفه كبير مفتشي أسلحة الدمار الشامل في بريطانيا .. ذلك الرجل المهني في قضايا أسلحة الدمار الشامل “ديفيد كيلي” رفض تماماً الإفادة بأن نظام صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل. وبعد أيام من رفضه التام لتلك الإفادة وجد مقتولاً في بيته بحسب إفادات الصحافة البريطاينة، وكان الاستنتاج المباشر أنه انتحر!! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك