تبلور النظام المالي الدولي بعد الحرب العالمية وفق المعطيات التالية ، فقد جرى الأمر على قاعدة بلورة اقتصاد مركزي رأسمالي تقوده الولاياتالمتحدة، بمقابل اقتصاد موازٍ بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، واستمر الحال بهذا القدر من التوازن بين مُعسكرين واقتصادين عالميين حتى جاءت لحظة «بريتن وودس» الثانية، فانفردت الولاياتالمتحدة بقرار صاعق، وأسقطت قيمة الدولار الذهبي من طرف واحد، مُكتفيةً باعتبار أن الولاياتالمتحدة هي الضامن الأكبر للإصدارات من الدولارات، مُتناسيةً أن تلك الإصدارات لم تكن مُجيّرة على الاقتصاد الأمريكي فقط، بل على الاقتصاد الدولي في شقّه الأكبر، حيث ارتبطت دول أوروبا الغربية، ومنطقة البترو دولار، وسلسلة كبيرة من البلدان النامية بنظام سلة العملات الصعبة الذي يتموْضع الدولار في القلب من مركزها، بوصفه العملة القائدة للتجارة والصناعة والاستثمار. حدث الانقلاب الثاني على قانون العملة في عام1973م بالترافق مع خواتم حرب فيتنام وكمبوديا ولاوس، لنكتشف ولأول مرة أن فلسفة الحرب الأمريكية الدائمة تأتي بأوخم العواقب على الاقتصاد الدولي . استمر الحال على ما هو عليه حتى برزت تباشير التغيير في الاتحاد السوفيتي من خلال «بريسترويكا» غورباتشوف الحالم بطوباوية عالمية فاضلة، فقد كانت نوايا غورباتشوف والقيادة السوفيتية نابعة من الاستشعار بأن استمرار سباق التسلح بين الشرق والغرب من شأنه أن يوصل البشرية إلى طريق مسدود ومحفوف بمخاطر إبادة جماعية، وبالترافق مع ذلك كان الاعتراف بأخطاء التجربة الاشتراكية عن مستوى الحيوية الاقتصادية، منطلقاً لتصويغ فكرة التحوُّل بالصدمة .. تلك الفكرة التي ثبت لاحقاً بطلانها، وفاضت الصين بما يُغايرها عندما أخذت بفكرة اقتصاد السوق الاشتراكي لتؤكد قابلية تعايش الأنساق، وأهمية الإبقاء على محاسن الاشتراكية لجهة الحماية الاجتماعية لملايين الفقراء، والأخذ بمحاسن النمط الرأسمالي لجهة الحيوية الاقتصادية النمائية . [email protected]