بدايةَ؛ لا بد من الإقرار بأن أي مشكلة بحجم الوضع الاقتصادي الدولي تستحق قراءة ناظرة إلى خلفياتها وأبعادها وأسبابها الحقيقية، وتبعاً لذلك لا بد من وضع النقاط على الحروف حول توصيف هذه المشكلة؛ هل هي مشكلة وظيفية عابرة كما يُروج دوماً أنصار الاقتصاد الرأسمالي غير الرشيد، بل المتوحش في تفلُّته واستيهاماته الباطلة .. أم إنها مشكلة هيكلية نابعة من طبيعة النظام المالي الدولي المسيطر على أنظمة التبادل والاستثمار والنمو؟! في تقديري الشخصي أن المشكلة ليست وظيفية ذات طابع إجرائي، ويمكن حلها عن طريق تدابير هنا وهناك، بل هي مشكلة هيكلية نابعة من مرئيات واستتباعات النظام النقدي الدولي السائد.. ذلك النظام الذي بدأ تاريخياً في قرية “بريتن وودس” بالولاياتالمتحدة عندما قرر حلفاء الظَّفر العسكري في الحرب العالمية الثانية بداية السير نحو تفريغ العُملة من قيمتها الفعلية، عبر اعتماد القيمة الاسميَّة التي يضمنها الدولار .. ثم استطردت الولاياتالمتحدة على ذات المنطق لتنتقل بالعالم إلى “بريتن وودس” الثانية بعيد حرب فيتنام في عام 1971م، بعد أن قررت تحويل الدولار إلى عملة تضمنها الولاياتالمتحدة ضماناً مجرداً نابعاً من قوة الاقتصاد الأمريكي وحضوره المركزي الدولي في معادلة الحلفاء الغربيين ومن يدور في فلكهم. كان من حسن حظ العالم طوال الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية والسقوط الحُر للاتحاد السوفيتي وجود الكتلة الاشتراكية الدولية بوصفها عامل توازن دولي على كل المستويات.. لكن هذا الحظ سرعان ما انقلب إلى ضده بمجرد سقوط “الدب الروسي” وما تلا ذلك من تداعيات عالمية طاولت ما كان يُسمى بالمعسكر الاشتراكي الدولي. سقط الروبل الذهبي بسقوط الاتحاد السوفيتي، والتحقت منظومة الدول التي كانت تدور في الفلك السوفيتي بمعادلة التحول بالصدمة، والتي تحولت لاحقاً إلى صدمة فعلية، انعكست على كل جوانب الحياة في تلك البلدان “الأوروآسيوية” الممتدة على أكبر رقعة مسكونة في العالم. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك