قيل قديماً:إن علامة المطر في السحاب، وعلامة “ أنابولس” تبدو بيّنة من خلال وضع الدولار الأمريكي، تلك العملة العتيدة التي فرضت سطوتها العالمية منذ اتفاقية “بريتن وودس” التي سطرها المنتصرون بُعيد الحرب العالمية الثانية، وأرغمت حلفاء الولاياتالمتحدة على الاعتراف بمركزية الدولار في سلة العملات الصعبة، ما عنى ويعني مركزية سياسية وعسكرية مؤكدة، وحالما انهار الاتحاد السوفييتي بعد بريسترويكا غورباتشوف تعمْلقت الولاياتالمتحدة أكثر وأكثر، وتعملق الدولار بدوره فارضاً سطوته الكونية من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتنمية والاستثمار، وأخيراً وليس آخراً تفعيل اتفاقية التجارة والتعرفة الجمركية “الجات” المُفصّلة على مقاسات الكبار، تماماً كسياسة سلة العملات الصعبة المفصلة بدورها على مقاسات الكبار. وكانت الأممالمتحدة ومازالت المظلة العائمة لكل هذه التعويمات المالية والاستثمارية والتجارية التي لمسنا آثارها المدمرة في بلدان العمق الديمغرافي الفقير بآسيا وافريقيا. مؤتمر أنابولس تاق لتقديم ورقة مُبهرة للعرب والعالم، لأن إدارة بوش حرصت وكعادتها على تبني مرئيات “ اسرائيل “، وبالتالي أصبحت خارطة الطريق أساس الأُسس في التداول والبيان المعلن، بينما تم تغييب بقية المرجعيات الدولية والقرارات الأممية سارية المفعول. أما المبادرة العربية التي نالت إجماع الأمة ممثلة في حكوماتها فإنها وضعت في ثلاجة باردة حتى تموت في طقس الموات الأبدي. قررت أمريكا أن تُباشر سلطة أبو مازن التفاوض المنكسر سلفاً، وأن تُبقي المفاوضات مفتوحة بنظام القطارة والقضم المتدرج الذي تعتمده “إسرائيل “ كاستراتيجية ثابتة لا تحيد عنها، وجُل المطلوب أن يُحيّد العرب وأن ينأوا بأنفسهم جانباً لتسوية تتم مع طرف فلسطيني بذاته. لن ينجح أنابولس، تماماً كما يفشل الدولار الأخضر ويعاني هبوطاً متسارعاً. لن ينجح أنابولس ولن يتعافى الدولار طالما كانت العسكرية الكونية والحروب العالمية المعلنة تجري على قدم وساق. لن ينجح انابولس طالما تأبى إدارة اليمين المحافظ الأخذ بنصائح الناصحين وتحذيرات المراقبين. أرادت إدارة بوش تحقيق نصر سياسي، لكنها تغافلت عن الأزمة التي تحاصرها والتي جاءت عطفاً على برامج الجمهوريين الجدد، وخاصة ما يتعلق منها بعسكرة العالم، وإحياء برامج حرب النجوم الريغانية، ونشر الفوبيا العالمية ضد العرب والمسلمين، والغزو المعلن السافر لبلدان ذات سيادة، وتهافت كامل المقولات التي بررت وتبرر تلك الحروب سواء المباشرة منها أو بالوكالة كتلك التي رأيناها في الصومال المنكوب قبل حين والتي جاءت بايعاز من إدارة بوش. لا يتهاوى الدولار الأمريكي لضعف في الاقتصاد الأمريكي الكبير، بل لأن هذا الاقتصاد أُرهق باللاتوازن والمفاجآت ومخالفة قوانين الأرض وحكمة السماء.