اكتسى الدولار الأمريكي قوة استثنائية إثر اتفاقية «بريتن وودس» بعد الحرب العالمية الثانية. تلك الاتفاقية التي نجم عنها إقامة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بوصفهما مؤسستين ماليتين استثماريتين عالميتين، وقد تحول الدولار بعد هذه الاتفاقية إلى سيد العملات الصعبة، وأصبح غطاء الذهب للعملة في ذمة التاريخ، فقد نصت اتفاقية بريتن وودس على أن قوة الدولة الاقتصادية والاستراتيجية هي الضامن الأكبر للعملة، كما نصت على أن التعويم للعملات العالمية الأخرى غير الدولار من شأنه أن يمنحها قوة في سوق المنافسة الاستثمارية والتجارية الدولية. يومها كان الاتحاد السوفيتي يفرمل جنون الدولار وتغوله، لكن الانهيار الحر للاتحاد السوفيتي ومنظومة البلدان الاشتراكية فتح الباب على مصراعيه لتجديد قوة الدولار الأمريكي، بوصف الدولار عملة العملات العالمية، والولايات المتحدةالأمريكية دولة الدول في العالم!!. هكذا بدت الصورة بعد الانهيار المريع للاشتراكية السوفيتية، لكن الإدارات الأمريكية المتابعة لم تلتقط حكمة التاريخ والجغرافيا، ولم تبدأ في ترصيف الطريق لعالم يخلو من النموذج الوحيد والمفروض، بل اعتبرت انهيار السوفييت فرصة سانحة للانقضاض على أي نموذج لا يتطابق مع النموذج الأمريكي، ولهذا شرعت في تخصيب وإعادة إحياء برنامج حرب النجوم الريغني، وقالت بالشرق الأوسط الكبير، واستهدفت العراق وافغانستان بوصفهما مأوى للإهاب الدولي، ومشروع إنتاج لأسلحة الدمار الشامل، وخاضت حروباً مباشرة وأخرى بالوكالة كما حدث في الصومال، وتداعت الإدارة الأكثر يمينية في تاريخ السياسية الامريكية مع فوضاها غير الخلاقة، ولهذا دفع الاقتصاد الأمريكي ثمناً باهظاً من خلال عملته، وسلة ائتمانه ومستودع قيمته. وهكذا كان الدولار قوياً وأصبح ضعيفاً.