الحرب العالمية الثانية كانت الفيصل في الرؤية الجديدة للتجارة الدولية، فقد تداعى الحلفاء الغربيون إلى قرية «برتن وودس» بالولايات المتحدة لوضع ملامح العالم الجديد من خلال اتفاقية النقد الدولي المغايرة لمألوف العلاقات النقدية التي كانت قبل الحرب، فالاتفاقية الجديدة استبدلت الأدوار الحاسمة لبنوك الإصدار للعملات بدور الدولة المهيمن فعلياً على تلك البنوك المركزية، وبالتالي جاءت فكرة سلة العملات الصعبة كتعبير عن التحالف المتين بين دول المعسكر الغربي أو الرأسمالي، وكان لابد لهذا التحالف أن ينسجم مع المكانة المركزية للولايات المتحدة بوصفها أكبر الدول وأقوى الاقتصاديات، وكان لابد أيضاًَ أن يتربع الدولار في صدر العملات الصعبة الخاصة بالحلفاء الغربيين. مهدت اتفاقية «بريتن وودس» للتجارة العالمية لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وسادت في بلدان أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا وكل الدول التي كانت تعوم في ذات الأفلاك المالية والتجارية، ولعبت تلك الاتفاقية دوراً كبيراً في تنشيط التبادل التجاري الدولي عطفاً على فلسفة العملة الجديدة التي لم تكن معياريتها قائمة على ما تحتفظ به بنوك الإصدار من سبائك ذهبية، بل على ضمان ومكانة اقتصاد الدولة المصدرة للعملة. تلك العملية سمحت بدفق مالي واستثماري هائل، فالإصدارات الجديدة من العملات الوطنية لدول الاتفاقية لم تكن تنتظر إشارة خضراء من مستودعات السبائك الذهبية كما كان الحال قبل الحرب، بل كان يكفي ضمانة الدولة المعنوية، وبالتالي فإن الثقة المتبادلة بين سلة العملات الصعبة أسهمت في تدوير عجلة التجارة الدولية بصورة متزايدة، وأصبحت بورصة العملات هي ترمومتر التبادل المعياري، باعتبار أن العملة العالمية إنما هي وسيلة ائتمان ومخزن قيمة متحرك بحسب حركة البورصة العالمية. [email protected]