يقولون في القرى «إذا لم تشقِ في سنة لترتاح أسبوعاً فلا فائدة»، للأسف اصبح هذا هو لسان الحال لدى أغلب اليمنيين، إذ أصبحت طقوس العيد وفرحته مختزلة للغاية في صبيحة العيد ابتداء بالصلاة ولبس الجديد لمن تيسر له ذلك، وزيارة الأرحام الاقرب فقط، لتنتهي ظهراً بحالة «دوخة» طبيعية ناجمة عن اختلاف مواعيد النوم والقات، وابتداء من بعد ظهر يوم العيد يبدأ الناس بالتفكير العكسي بهموم استئناف العمل دون المتعة ببقية أيام الإجازة العزيزة.. يحل العيد على اليمنيين مثقلاً بهموم ومعاناة يعيشها الغالبية التي لم تلمس أي تغير على مستوى معيشتهم، رغم كثير من المتغيرات التي أفرزتها حركة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ عام ونصف، ومازالت مستمرة نسبياً إلى الآن. هناك شريحة واسعة من الناس تعيش على راتب الضمان الاجتماعي الذي يتراوح بين 10 و12 ألف ريال لكل ثلاثة أشهر، ولا يجدون غيرها، وعليها تعيش أسر كبيرة أحياناً، فماذا عساها تفي؟! بمقتضيات رمضان أم بكسوة العيد أم بأساسيات معيشة، ومع ذلك تحسب كثيراً منهم أغنياء من التعفف.. وهناك موظفون مصدوعون بمحدودية الدخل، وكما استبشروا بقرار الحكومة تقديم صرف رواتبهم ومعها العلاوات المتأخرة قبل العيد، إلا أن ما يؤرقهم من الآن هو شهر طويل يمتد لأكثر من شهر ونصف بعد العيد قد يؤثر على حسبتهم لتصريف راتبهم لعدة اشهر قادمة، ولن يتمكنوا من استعادة توازنهم إلا بعد أشهر خصوصاً أن شهرين ونصفاً تفصل هذا العيد عن عيد الأضحى واستحقاقاته.. ويأتي العيد على أسر ثكلى بوفاة عائلها في حادث سير وهو عائد إلى قريته أو مدينته بعد أشهر من «الشقاء» لأجل فسحة كهذه.. وأخرى مكلومة بوفاة أحد أبنائها في معركة خاطئة هنا أو هناك في ظل استمرار حالة الفوضى والانفلات الأمني و«الهجمات الارهابية» التي أصبحت تستهدف أكوام القمامة و«محاريق شعوب»، ولا أدري أي قاعدة تلك التي تستهدف شخصا ماراً بكومة قمامة، قد يكون باحثاً عن بقايا طعام أو علب معدنية يسترزق بها على نفسه وأسرته!! يبدأ اليمنيون كغيرهم من المسلمين بالاستعداد لعيد الفطر منذ بداية شهر رمضان، وتزداد حمى الاستعداد للعيد بعد خط المنتصف، ومع ذلك يعيش الجميع تقريباً مشاعر حزن على فراق الشهر الكريم، وكل يحز في نفسه شيء ما على طقوسه الخاصة دينية أم اجتماعية، ويتكرر ان ترى رجلاً كبيراً يواسي طفله الحزين على انتهاء رمضان وانتهاء متعته الخاصة بقوله «يا ابني لو كان رمضان مليح ما بيعملوش بعده عيد»، رغم انه هو ذاته غير مقتنع بهذا المبرر.. لكن اليمنيين كغير شعوب الدول الأخرى في استغلال فترة العيد، بقدر يتجاوز حدود ما هو متاح، وظروف المعيشة الصعبة، بقليل من الانفتاح على فترات الراحة، لا أن نكرس المثل الشعبي القائل «تباشير العيد ولا وصوله»!. وإلى جانب معاناة المعيشة، تغيب إلى حد كبير قيم التكافل بمعناها الحقيقي لتظل محصورة في الطبقات الدنيا بإمكانياتها المحدودة، إذ يبدو غائباً الى حد كبير تأثير رؤوس الأموال في حياة الناس بما تقدمه من دعم تنموي قبل الصدقات للمجتمع، خصوصاً أن كل البيوت التجارية لجأت مؤخراً الى إنشاء مؤسساتها وجمعياتها الخيرية لتتولى توزيع مساعداتها ومنحها وزكواتها خصوصاً في شهر رمضان، وبدلاً من أن تسند إدارتها لإدارة مستقلة تتولى تصريفها بنزاهة وشفافية، أسندتها لشخصيات من الأسرة تعمم نموذج الوساطة والمحسوبية في إدارة الشركات والمؤسسات حتى في توزيع الزكوات، لتظل حكراً على المعاريف والأصدقاء ومن يلتحقون بهم غالباً.. لا تتم فرحة العيد ومتعتها إذا ماظلت حكراً على مجموعة من الناس دون أخرى، وتزداد بهجتها ويطول أمدها كلما توفرت أسبابها لتشمل اغلبية أفراد المجتمع أن تعذر توفرها للجميع، وهو ما يحتم علينا جميعاً ان نهتم بإشاعة أجواء الاخاء والتراحم والتكافل في المجتمع، ونشر البسمة لدى الاطفال المعدمين لتكون أيامنا أجمل.. اليمنيون أولى باستغلال مناسبة العيد بشكل امثل، لأنهم الاكثر معاناة وجداً وتعباً وبعداً عن أسرهم، والأولى أن ينقطعوا تماماً عن بيئة وظروف عالمهم وأن لا يجتروها كمكدر لأوقات إجازتهم، وأن لا يفكروا فيها الا حين وقتها.. أتمنى للجميع عيداً سعيداً مختلفاً عن بقية أيامهم... أتمنى أكثر أن لا ينقضي عيدنا منتصف نهاره، وأن لا يحرم منه أحد.. كل عام واليمنيون بخير..