مثلما حطّ رحاله هذا الشهر الكريم في تفاصيل أوقاتنا وأمكنتنا.. ها هو يشدّ رحاله لينطلق عنّا.. كأعذب ضيفٍ يفاجئنا بقدومه تاركاً الكثير من الذكرى المقدسة لكينونته وتفاصيله العالقة بأرواحنا. وعلى الرغم من المنزلة العظيمة لشهر رمضان المبارك.. إلا أنه هذا العام تحديداً تلقّى الكثير من الصفعات الموحشة.. والنكايات الأليمة.. والأحداث الجِسام.. في بعض البلدان الإسلامية.. وعلى وجه الخصوص بلدنا الحبيب اليمن وسوريّا الجريحة. ففي وطن الإيمان والحكمة.. اتخذ نفرٌ من أراذل المتشدقين باسم الدين سوطاً تدميرياً ألهبوا به قلوب وأرواح ذوي الشهداء والجرحى ممن ذهبوا ضحيّة تعصّبٍ أعمى لأفكارٍ لا ترقى إلى مستوى يليق بمكانة الفرد المسلم والمؤمل فيه لبناء مجتمعٍ سليم خالٍ من العُقد العداونية وهي تجتثّ الأخضر واليابس.. ليموت شعب ويحيا بعض المارقين. وفي سوريا الحبيبة الجريحة.. يشيب العقل حسرةً على علوّ منطق الرصاص بين أبناء البلد الواحد.. وعلى التدمير المأساويّ للأرض والإنسان وكل حيّ كان يمضي بسلامٍ على دوحة الشام.. وقِبلة الجمال الإلهيّ.. لتتحول مزاراته من ذكرى عابقة إلى نقمةٍ تكاد أن تتجدد كل لحظة. ومن لم يؤثر فيهم مدد ضياء شهر رمضان الكريم.. فلا أعتقد أن غشاوة ما سيعقبه من الأيام ستفتح كوّة الوجع وتتآلف مع فضاءات العدل والحرية.. فمن لم تزجره عظمة شهر نزول القرآن الكريم فلن تغسل قلبه بقية المساءات الغارقة في وحل الخلاف وقهر الأحلام. نعم عزيزي الحبيب رمضان الكريم.. ها أنتَ تمضي خفيفاً في نسائمك علينا.. لكنك ممتلئٌ بخيباتنا وأحقادنا وأوجاعنا التي أرهقت كل ما خطر على بال عاقلٍ أو جاهل. وداعاً حبيبنا رمضان.. فلعلك تأتي في العام القادم ونحن بحالٍ أفضل.. أو مازلنا كما نحن.. أو ربما كنا أكثر سوءاً وأوجاعاً وندماً. غير أننا ونحن نطوي معك المهرجان السنوي للأدعية.. مازلنا نحفل بجذوة الأمل.. ونقيم طقوس الفرح بما لدينا وما قسمه الله بيننا ولنا.. حتى لا نكرر مآسي الشعوب التي سبقتنا إلى الفواجع.