كان الناس يتعاملون مع رمضان بمشاعر ووفاء وألفة عجيبة وشفافية عالية ، كنت ترى الناس عند قدومه في الطرقات والمزارع والبيوت بفرح غامر يغنون (مرحب مرحب يا رمضان.. أهلاً وسهلاً يارمضان )، وعند رحيله يودعونه بحزن ( مودع مودع يا رمضان وداعة الله يا رمضان) يتعاملون معه بألفة ككائن قريب وأليف وحبيب وهذه هي الانسانية قبل أن تتلوث، تتعامل مع المكان والزمان والأحياء بحس واحد ومشاعر الحب والألفة،شوقاً للقاء وحزناً للفراق ،رمضان شهر عزيز ، رفيق درب كريم ، هو صديق الصبا والطفولة كم لعبنا معاً وفرحنا معاً وكم دعونا به ومعه فهو فعلاً قريب وعطوف وحنون ورحيم يجلب لنا الحظ والسرور والعشر وليلة القدر والعيد والفرحة وكل شيء فيه يتحول إلى جمال ومصدر للسعادة والطرب حتى مدفع رمضان يختلف عن المدافع المخيفة والمدمرة .. إنه صديق ينتظر ونغم مفرح بعكس المدافع الكريهة القاتلة ، فشتان بين مدفع (عبدالله ضبعان) ومدفع (علي حمود ) والسبب رمضان الطيب والرحيم الشهم الذي يقارب بين الانسان والطيور والأقمار والأنوار والكلاب العاوية.. الآن أصبح الانسان أشبه بالجماد بلا مشاعر ولا أحاسيس اذا تطور يتحول إلى آلة ويتحرك مثل الساعة (تق تق تق ) لا يبادل الحياة من حوله ولا يحس بالحياة ولا الأحياء ولا يعرف معنى الفراق وشوق اللقاء يستوي عنده صفر ورمضان و(الكاذي ) ( والحميطة) و(المشاقر) الصناعية و(رياحين) الغيل ، فقدان الإحساس لدى الانسان يعني فقدان ذوقه للحياة وإحساسه بوجوده وغياب هذا الاحساس بالحياة والكائنات وانعدام الألفة مع الزمان والمكان يقف وراء مشاكل الانسان العقيمة والتي لا مبرر لها وبغيابه تحولوا وهم المؤمنون إلى كفار يضرب بعضهم رقاب بعض وباسم الله والله أكبر، هذا الغياب جعلهم يستجرون أحقاد التاريخ ويعيشون معركة (صفين) وموقعة ( الجمل) قبل ألف وأربعمائة سنة وكأنهم خرجوا للتو من المعركة ...أي أوغاد نحن وأي غباء ووحشة تسكننا ككهوف شديدة العتمة؟ ...غياب الاحساس بالأحياء والجماد والشمس والقمر والفجر والأصيل والطير والربيع والمهاجل والمعاني والشبيبة وحنين الرعد والمطر ورمضان والعيد ومعاني اللقاء والفراق يجعلنا متوحشين ويجعل الحيوانات الاليفة والقطط والكلاب اكثر وفاء ورعاية ومعروفاً وألفة ، نريد استرداد أنفسنا..استرداد الإحساس الانساني استرداد المعاني والمغاني والعلاقة الحميمة مع رمضان وغير رمضان ...استرداد الرحمة والحب ومعاني الايمان والوفاء والألفة كينابيع تصدر من داخل النفس من أول نظرة وأول لقاء ، فنحن أولاً وأخيراً من نفس واحدة بل نفس واحدة وعندما كثرنا بالتكلف وابتعدنا عن البساطة وأهملنا عاداتنا المعطرة بأريج الانسانية الغائرة في جوهر النفس وأحاسيسنا المتراكمة تجاه الزمان والمكان وأصدقاء الروح كما نفعل اليوم مع رمضان فقدنا أنفسنا ..نحن بحاجة إلى مشروع البحث عن الانسان في ذواتنا وبدونه سنبقى أغبياء ومتوحشين وعبيطين أيضاً. [email protected]