نحن نعلم أن العالم ما زال يعاني من اختلال موازين القوى وتحكمه قوة واحدة تهيمن على مراكز القرار السياسي الدولي ودوائر المال والاقتصاد ومؤسسات الإعلام برمتها.. ولا يخفي على أحد التطور الكبير الذي بلغته الدولة الصناعية والعسكرية الكبرى-الولاياتالمتحدةالامريكية التي استطاعت من خلاله أن تهيمن على مقدرات كبيرة اقتصادية عالمية في مجالات الاستثمار والتجارة، فقد ارتفعت مئات المليارات من الدولارات، استثماراتها الخارجية.. أي أنها تحتكر مجموعة كبيرة من دول العالم علاوة على نصيبها الكبير من الشركات المتعددة الجنسية التي صعدت من “11.000” شركة تتحكم ب”82” ألف شركة فرعية يصل حجم مبيعاتها إلى 22 % من حجم التجارة ب”207.000” شركة فرعية تبلغ مبيعات فروعها الأجنبية وحدها ما يساوي حجم التجارة العالمية. هنا فقط يتضح البعد الاقتصادي لمحاذير ”العولمة” وهناك البعد السياسي “لعولمة” القوة الاحادية التي لاشك سوف تفرض طابعها المناسب، وكذلك البعد الثقافي والاجتماعي المفروض أن يتواءم مع الأبعاد الأخرى التي هي القوة الوحيدة والهيمنة المنفردة والانفرادية..! ومع ذلك ليس ثمة مناص من التسليم بأن عملية التفاعل الحضاري الراهنة تفرض قدراً كبيراً من التعامل مع الآخر في المحيط الاقليمي والدولي في ظل إعادة صياغة وبناء النظام الدولي الجديد والمعاصر.. غير أننا يجب أن نعرف أن التأويلات والاجتهادات النظرية التي تقدم مفاهيم مختلفة ومتناقضة من أروقة دوائر الفكر ل”العولمة” هي مؤشرات عملية واضحة قد أخذت طريقها لتأسيس النظام الأحادي القطبية الذي حاولت امريكا تشكيله بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. وإن العملية التاريخية للعولمة لم تقف عند وضع معين بل إن السياق التاريخي للتغييرات والتبدلات العالمية المتسارعة بطبيعتها الديالكتيكية تفرز أوضاعاً جديدة ونظماً وعلاقات واحكاماً حديثة تشكل بمجملها منظومة متكاملة لنظام العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدولية التي تدخل من خلالها وعبرها بلدان العالم بأسرها دول وشعوب عملية العولمة كمفهوم واحد ومحدد يتمثل في كيان عالمي متشابك المصالح والعلاقات والمنافع المتبادلة على أساس التكافؤ واحترام الآخر وبعيداً عن سياسة الهيمنة والاحتواء وفرض واقع ذوبان الآخرين في إطار واحد أو شخصية واحدة تلقي الآخر..! ولما كانت قوى الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية بمراكز قواها السياسية وأجهزة الاستخبارات ودوائر المال قد استطاعت تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق لتنهي بعد سنوات عجاف مرحلة طويلة من الحرب الباردة بين قوتين عظيمتين موسكو وواشنطن وتقيم على أنقاضها ما يسمى بالنظام الدولي الجديد الذي فصلته أمريكا وفقاً لسياستها ومصالحها القومية، الأمر الذي ترك خللاً كبيراً في توازن القوى الدولية وميزان المصالح فإنه وفي خضم التحولات والتبدلات الدولية إثر انهيار المعسكر الاشتراكي جرى تكريس مفهوم النظام العالمي الجديد وبعد ذلك أصبح الحديث في الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية والغربية يدور حول استكماله استناداً إلى منظومة من السياسات التي تعيد صياغة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية الدولية. [email protected]