تأخذنا الفرحة في تلابيبها عندما يدق جرس الإجازة ، ليس لأننا كسالى ، ولكن لأن أغلبنا سينتقل من ضجيج الحياة في المدينة إلى هدوئها في الريف ، وينعم بأسبوع أو أقل من الهدوء ، بعيداً عن حريق أعصاب العمل ، وأبواق السيارات ، والألعاب النارية ، ونداءات الباعة ، وتوسلات المتسولين . ويعمل كل واحد منا بقدر استطاعته على التخلص من كل تبعات الأمور المرهقة التي تتعلق بالانشغالات في المدينة ، لدرجة أننا قد نترك القلم الذي يصادر أفكارنا الهادئة ويحولها إلى سيل من التوترات على الورق .. وقد يصل الأمر إلى أن أغلق ( أنا شخصياً) التلفاز في إجازة العيد حتى أغيب قليلاً عن تفاصيل الألم الذي نعيشه طوال السنة ، ولا يرحمنا حتى في العيد ، خاصة وأن عناوين الأخبار لا تخلو من المقدمات الآتية : انفجار سيارة مفخّخة ،فجّر انتحاري نفسه بحزام ناسف ، قُتل عشرة وجُرح عشرون من قبل مجهولين ...إلخ. لكن هل ترانا نستطيع الهروب من الألم الذي يسكننا وسط المدينة ؟.. لا أعتقد طبعاً طالما وحكومة الوفاق منذ شهور لم تستطع حل مشكلة الكهرباء التي تجعلنا في أي مكان نشعر أننا لم نغادر المدينة المضرجة بالجروح بل نتوغل في عمق معاناتها. تخيلوا أن تهربوا من كل شيء وتظل مأساة الكهرباء تلاحقكم في أي مكان.. الكهرباء في الريف وفي منطقة الأعبوس تحديداً تنقطع كل خمس دقائق وأحيانا أقل! الله يرحمك يا (محمد عبدالولي )تحدث عن معاناة سينما طفّي لصّي في إحدى قصصه القصيرة ، ولو كان قد عاش إلى الآن كان سيخلّد رواية عظيمة عن كهرباء طفّي لصّي . في الريف الناس يهرعون إلى أجهزتهم المنزلية مباشرة لفصلها عن الكهرباء خوفاً عليها من التلف ، مع أن احتياطهم هذا لا يحميهم من تحمل الخسائر ، فالأجهزة معرضة للتلف بشكل مستمر ، فلو حدث واستمرت الكهرباء والعة لفترة ساعتين أو- لا سمح الله -ثلاث ساعات ، نتفاجأ بعدها (بأغنية طفّي لصّي )من قبل وزارة الكهرباء ، ويا سوء بخت من هو خارج منزله ، وبعيد عن أجهزته ، هو وحظه ورحمة اللّه به، إما يساعده الحظ وتسلم وإما تحرق ويخلص من همّها وهمّ الكهرباء ، ويتوجه إلى اللّه بالدعاء بالويل والثبور وعظائم الأمور على حكومة الوفاق ووزير الكهرباء تحديداً . إلى متى ستظل معاناتنا مع الكهرباء تلازمنا كأنفاسنا؟إلى متى سنظل نسمع عن صعقات ورعود وخبطات وأسماء من خبطوا الكهرباء؟ أليس من أخبار أخرى يمكن أن تجعلنا على الأقل نخرج من بيوتنا ونحن مطمئنون على أجهزتنا الكهربائية من أنها لن تتلف بسبب مزاجية الكهرباء المخبوطة في بلادنا.