المفروض أن البردُوني شاعرٌ عظيم, لكننا أردناهُ نبياً..! والحقيقة أن عشقنا للبردُوني كانت لهُ أسبابه: أولُها: أن مشروعه الشعريّ مكتملٌ وكثيف، وهو ما لم يتسنّ لكثيرٍ من الشعراء اليمنيين الذين مات بعضهم عن ديوان أو ديوانين.. وثانيها: أنَّه قدَّم رشاوٍ كبيرة لجمهوره، فكان بتقييم خصومِه «شيوعياً»، وشعرُه الذي ناصر الفقراء لم يُكذب ذلك، رُغم توريته.. وثالثها: أنهُ كان ثورياً، وهذا ما كُنا تتوقُ إليهِ أرواحنا المضطهدة مراراً وتكراراً، ورابعها، أنهُ كان يقينياً وحالماً، كنحن، وخامسها: أنهُ كان بسيطاً في حياته مثالياً في أفكاره، مُحافظاً في قصائِده، وهذا ما يتفق مع وعي المُجتمع، ويرضي كبرياءه!! ولذلك, أردنا أن نصنع من عشقنا للبردُوني الذي يتأقلم معنا ويحاكي رغباتنا شِعراً، أردنا أن نصنع منهُ نبيَّاً جديداً, حملناه كل ما نتوق من فضائل, بينما لو عاشرنا البردُوني الإنسان، ربما لتغيرت نظرتنا إليه..!!! ولهذا لجأنا للقول: إن البردُوني شاعر الجزيرة العربية لألف عامٍ مضت، وبعضهم قال: شاعر اليمن منذُ المتنبي. والأمانة تقول: إن العودة لدواوين البردُوني خصوصاً الأولى منها لا تعضُدُ ادعاءاتنا وتخيلاتنا, كما أن البردوني شاعرٌ عظيم وحقيقيّ، لكنَّهُ كطليعي ونخبوي لم يتجاوز وعي الجمهور كثيراً!! وحرصه على المثالية والكمال، جنّبهُ الخوض في مسارات إبداعية قد تكون ضمن التابو المرفوض اجتماعياً وثقافياً. والأهم من كلِّ هذا أن علينا أن نحتفي بالبردُوني احتفاءً ليس لهُ مثيل, لكن مع تقديرٍ هام؛ لكون البردوني ليس النبي الأخير، وليس الأيقونة الأعظم في تاريخ اليمن، وليس المستحيل. البردُوني تجربة عظيمة, ولكن هناك قادمٌ أعظم علينا أن نؤمن به, لا أن نرتهن للماضي ونستجمله على حساب الحاضر والمستقبل، كما يفعل المُحافظون عادةً!!. بقي أن نقول: إننا الآن بحاجة ماسة للكشف عن تُراث البردُوني غير المنشور, لنستكمل قراءتنا للبردُوني شاعراً ومثقفاً ومُفكراً ومؤرخاً مُعاصراً!!. [email protected]