متى يتفعل دور المفكرين والفلاسفة في أمتنا ؟ ونحن ما زلنا نصر على العودة إلى الوراء ! إلى قرون من عهود التخلف والانحطاط ، هاهي ثوراتنا تفرز أولئك المتخلفين عن الرؤية القويمة للتقدم وعصر الفضاء مازالوا يتشدقون بتلك العبارات التي تؤجج عواطف الجمهور ، وهم على علم بأن أغلب الجمهور يسمع فقط دون أن يفكر ، أولئك الذين يدعون إلى خلافة سادسة ظانين أننا سنحرز انتصارات ضد العدو المتربص بنا ، وعالمنا لا يدرك أن فوزهم بحكم المجتمعات على مرأى ومسمع من الدول الكبرى المسيطرة علينا من جميع النواحي ، إنما هي خطط مدروسة ومرسومة خضعت لبحث طويل ومتواصل ، وهم على يقين أن هؤلاء من سيعيدوننا إلى عصور الجاهلية ، وإن نحن فيها الآن ! بل سيضمنون بقاءنا كما نحن . أنى لنا النصر ونحن طوائف ومذاهب وفرق تدعي كل منها حق الحكم وإقامة شريعة الله في الأرض ؟ كيف وهم يدعون إلى الانغلاق والانحصار داخل النص التشريعي الذي اكتفوا بتفسيره من قرون غابرة .. ولا يسمحون لأحد حق تأويله ، واخضاعه للتجديد بحيث يلائم العصور المتغيرة ، ويصدق على كتابنا المقدس بأنه معجز ، ويخدم بني البشر ؟ متى يفهم الناس والعامة أن الحرية هي أساس التقدم والرقي ؟ إن غياب الوعي والمعرفة بين أغلب الناس هو من يفسح المجال للمستبدين والفاسدين للسيطرة على مفاصل الحكم ، فالناس جبلوا على حب الراحة وعدم تحمل عناء البحث عن الأصلح ، يكفي من يخوفهم من النار ويرغبهم بالجنة ، ويدعوهم للأمن ، لتدور الدائرة ويعود الاستبداد باسم الدين ، وإقامة الشرائع. لقد استطاعوا أن يزيلوا العقل من حياتنا ، حتى في أدق تفاصيلها مازلنا نحتاج إلى تبرير شرعي منهم في أدق تفاصيل حياتنا ، وكأننا لا نملك من التفكير سوى كيف نصلي ونصوم. أين هو العقل الذي كرمنا به الله ، وأين أولئك المفكرين العرب الذين شهدت لهم الساحة بعبقريتهم في التنظير للنهوض بالأمة ، أين هم من مناهجنا الجامعية وأين هم لرصف طريق النهضة ؟ وفي توجيه دفة القيادة ؟ أين من يدعون إلى إعمال العقل في مختلف أمور حياتنا ، وتجاوز مرحلة التفكير الخرافي ، والتمسك بمنهج التفكير العلمي . قد يكون هناك من قرأ للدكتور / فؤاد زكريا ذلك الفيلسوف والمفكر المصري ، الذي ألف العديد من الكتب من ضمنها كتابه ( التفكير العلمي ) ويعرف د. زكريا التفكير العلمي بأنه ( ذلك النوع من التفكير المنظم الذي يمكن أن نستخدمه في شؤون حياتنا اليومية ، أو في النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة ،أو في علاقتنا مع الناس ومع المحيط بنا ) كان المفكر يؤمن بحقه في التفكير العقلي المستقل مستندا على المنهج الديكارتي الذي يقول : لا أقبل شيئا على أنه حق ما لم يتبين لعقلي أنه كذلك . فكان يرى أن العقل الذي لا ينقض عقل عاطل ، وفي الواقع أن هذا المنطق هو أساس البحث العلمي الجاد . العقل يعني احترام الشخصية الإنسانية ، فلا يوجد تمييز بين إنسان وآخر من أي جهة كانت ، لا للون أو جنس أو دين ، فكيف بنا ونحن يراد بنا التقهقر والتخلف باسم الدين والطائفية و المذهبية ، هل هم من يملكون الحقيقة المطلقة ؟ إن من يدعيها هو الذي يعيد التعصب البغيض ، يفضل التخلف والجمود والانغلاق ، ويتناسى المبدأ الأول الذي جاءت به جميع الرسالات السماوية ، وهو المساواة والحرية . والإعلاء من قيمة العقل . سؤال أختم به مقالي هذا وهو : لماذا خلق الله لنا العقل ما دام أن الله قد شرع للإنسان ما يغنيه عن الاجتهاد والبحث والتفكر في كل طارئ في حياته ؟ أليس الإنسان متغير مع كل زمان ومكان ، والدين وجد لخدمة الإنسان وليس العكس . فالنص لا يغني عن عقل الإنسان الذي أراد الله منه أن ينظر ويفكر ويخترع ! نحن هنا لنفكر.