الأستاذ الأديب عبدالجبار سعد محمد صالح كما هي عادته أتحفنا أخيراً في صحيفة (الجمهورية) الغرّاء بمقال أشاد فيه بمسلسل عمر الفاروق الذي أذيع في شهر رمضان المبارك عبر قناتي (قطر) وال (إم. بي. سي)، ولكنه أبدى استنكاره واستياءه مما جرى من تجاهل، لاشك أنه متعمد لحدثين هامين من أحداث التاريخ في تلك الفترة وفي سيرة عمر رضي الله عنه. أول ما تم تجاهله من قبل مؤلف ومنتج المسلسل، الحدث المتعلق بالحصار الذي فرضه محمد رسول الله على يهود بني قريظة بوحي من ربه سبحانه وتعالى عقب موقعة الأحزاب؛ عقاباً لهم على نكثهم للعهد الذي أعطوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أدى ذلك الحصار لاستسلامهم والخضوع والقبول بتحكيم سعد بن معاذ فيهم وباختيارهم. فما كان من سعد بن معاذ - الصحابي الجليل الذي اهتز لموته عرش الرحمن - إلا أن حكم عليهم بحكم الله الذي جاء نصه في القرآن والتوراة، ذلك الحدث الهام تم تجاهله والتغاضي عنه ليس سهواً ولكن جبراً لخاطر اليهود الصهاينة، والحدث الثاني الذي جرى التغاضي عنه ذلك العهد العمري الذي أعطاه الخليفة الراشد عمر الفاروق لأهل إيليا (القدس) على ألا يساكنهم اليهود في المدينة..أيضاً إرضاءً لليهود وحركتهم الصهيونية والغرب المتصهينين تم حذف ذلك النص عمداً كمغالطة في المسلسل الآنف الذكر، مع أن ذلك جزء من التاريخ لا يصح تجاهله أو تحريفه، وكان وروده ضرورياً وهاماً للتوثيق ولتعرية الادعاءات اليهودية الصهيونية في مشروعية تدنيسهم واحتلالهم للقدس الشريف وللأرض العربية. فمنذ بداية عمليات التطبيع التي بدأها (الرئيس المؤمن جداً) أنور السادات نشطت عملية التحريف والحذف في أحداث التاريخ الإسلامي وبالذات ما يتعلق في الجانب اليهودي وجرائمهم وتاريخهم الأسود والأبشع منذ قدم التاريخ الإنساني وحتى الآن، تنشط في هذه العملية جهات عدة في مقدمتها شخصيات دينية وفكرية ومنظمات إقليمية ودولية تسيرها أنظمة عربية وإسلامية من خلال حكامها وقادتها الذي استمرأوا الذل والخضوع لأعداء الإسلام. فمن يدّعون غيرتهم على الإسلام وحمايتهم له والإسلام منهم براء، هم أول من باركوا للسادات زيارته لتل أبيب وخطابه الاستسلامي في الكنيست تحت شعار (أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات)، فبدلاً من أن يستنكر الأزهر وعلماؤه تلك الزيارة إذا بهم يبادرون بمباركتها استشهاداً بالآية القرآنية الكريمة (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) ولا نعلم متى قد جنحت إسرائيل للسلم؟ فهي لم تجنح أبداً للسلم عبر كل تاريخها القديم والحديث، فالذي جنح للسلم مع العدو الصهيوني هم الحكام العرب بدأهم السادات والبقية أيدوا وباركوا دون أي مقابل يعود بالنفع على قضية العرب الأساسية قضية فلسطين المنهوبة، فإسرائيل كما عرفنا عنها أنها تأخذ ولا تعطي أبداً، ومع ذلك نرى دعاة التطبيع يهرولون ويحثون الخطى ويعملون جاهدين لتحسين صورة اليهود وإسرائيل، من خلال طمس وحذف كل ما يدين اليهود ويفضح جرائمهم وبشاعة أفعالهم قديماً أو حديثاً. وربما قد يصل الأمر بهم إلى تحريف القرآن الذي تنصب أغلب آياته في فضح اليهود وتاريخهم البغيض قتلة الرسل والأنبياء، ولولا خوفهم - أي الحكام العرب وأنظمتهم السابقون منهم واللاحقون ومن يواليهم ممن يسمون أنفسهم بالعلماء - من الغضب الشعبي الجماهيري في العالم العربي والإسلامي لما تورّعوا أو ترددوا في طمس الكثير من آيات القرآن الكريم، وإن حاولوا فإن فألهم سيخيب وسيرتد سوء عملهم إلى نحورهم ولن يستطيعوا شيئاً؛ لأن القرآن لا يمكن أن يُمس اعتماداً على قول الله سبحانه وتعالى:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فالقرآن بقدر ما هو محفوظ في المصاحف فهو أيضاً محفوظ في عقول وصدور وقلوب الغالبية العظمى من المسلمين، وأي عمل دنيء يكون فيه مساس بالقرآن بحذف أو طمس إحدى آياته سريعاً ما ينكشف، ولعجزهم عن ذلك فهم سيلجأون إلى المناهج الدراسية لحذف وطمس كلما يشير لليهود أو يدينهم، وقد فعلوا ذلك في عديد من البلدان العربية والإسلامية. حتى تنشأ أجيال جديدة مغيبة عن واقع اليهود وواقعهم وتاريخهم وجرائمهم عبر التاريخ الإنساني القديم أو الحديث، ولا حل لمواجهة تلك الأعمال والألاعيب السياسية المداهنة لأعداء الإسلام إلا الحث والتشجيع على حفظ القرآن الكريم وبالذات الناشئة وتعريفهم به وبتفسيره من خلال مدارس تحفيظ القرآن والكتاتيب والمساجد التي لابد وأن يكون لها دور بارز ومؤثر في هذا الجانب بعيداً عن المهاترات السياسة والحزبية. حتى لا تستغل في أمور وقضايا قد لا تخدم الإسلام أبداً، بل ربما تكون أداة لضرب الإسلام في مكمنه ومن مأمنه، والحمد لله سبحانه وتعالى على أنه لازال هناك يقظة إسلامية، ولازال هناك رجال غيورون على دين الإسلام وتاريخه المجيد كأمثال الأستاذ عبدالجبار سعد، فالعيون المفتوحة والعقول اليقظة فيها أكبر حماية للإسلام وتاريخه من خلال كشف المستور من خطط للأعداء وفضح مراميهم وأهدافهم.