القضاء على كافة مظاهر الفوضى والظلم والتسلط والاستيئثار بالمناصب والترقيات القيادية في أية مؤسسة أو موقع من المواقع، كل ذلك لا يتم أو يتحقق بالإدعاء والخطب الرنانة والتصريحات لوسائل الإعلام المختلفة، وإنما يتم ويتحقق قولاً وعملاً بالتشريعات والقوانين واللوائح المنظمة لكل ذلك.. وعلى سبيل المثال لا الحصر هذه خطوة عملية وإجراء موفق صدرت عن مجلس الوزراء قبل يومين تتصل “بالتدوير الوظيفي” لكافة موظفي مؤسسات الدولة المختلفة بما في ذلك القوات المسلحة والأمن هذا القرار في تقديري أشبه ما يكون بمشرط جراح أراد ويريد به ومن خلاله استئصال جملة أمراض وعلل بقيت تنهش في جسد البلاد لقرابة خمسين عاماً بسبب المحسوبية والقرابة والوساطة والعلاقة الشخصية تارة وأخرى الحزبية وأما شروط الوظيفة ومؤهلاتها القانونية المطلوبة فقد بقيت غائبة ومفقودة في معظم الأوقات.. وفي السنوات الأخيرة بدت الوظيفة كما لو كان ثمة إيعاز وتوجيه من السلطات العليا مفادها: حتى وإن كان ثمة شخص قد تجاوز أحد الأجلين وتقدر إحالته للتقاعد، فلا مانع من توظيف أحد أبنائه، هذا إذا كان موظفاً عادياً أما إذا كان من المقربين ومن الشلة الحاكمة فيجدد له الاستمرار سنوات تليها سنوات إلى ما لانهاية؟؟. وهكذا حتى تبقى أهم مفاصل الدولة بما فيها القوات المسلحة والأمن لحساب “الخبرة” وانطلاقاً من هذا الاستيئثار الجشع لمواقع السلطة انتشرت الفوضى وعم الفساد، وبات مدراء الوحدات الإدارية حكاماً مستبدين يتعسفون الموظف أيما تعسف لأسباب واهية، وأما الكثير من مدراء ومديرات المدارس فقد تحولوا إلى مشيخات للتصرف بعنجهيات وغطرسات تتنافى تماماً مع روح التربية والتعليم التي قامت وأنشئت بهدف خلق أجيال تواقة لمعاني الحرية، ولكل المعاني والقيم والمبادئ الهادفة إلى خلق وتعزيز روح المحبة والتسامح بين أبناء الوطن الواحد، والنأي عن التعصب أو التحوز لهذه الجماعة أو تلك، ولهذا فإنني أرى لو أن وزارة التربية والتعليم تعيد النظر في إدارة المدرسة بحيث يشترك في إدارة المدرسة عدد من المدرسين الأكفاء أو المدرسات ففي معظم المدارس يتبوأ شخص واحد أو امرأة واحدة على رأس المدرسة في حين تكون ثمة كفاءات من بين المدرسين والمدرسات أعلى وأقدر من المدير أو المديرة بل وأكثر خبرة ودراية منهما، فنلاحظ في العديد من المدارس أن المدرسين والمدرسات لديهم مؤهلات أعلى من مؤهل المدير أو المديرة هذا علاوة على الخبرة ربما قد تكون أغنى. لقد أطنبت في مجال التربية لا سيما في أن هذا المجال هو مربط الفرس كما يقال، فالتربية والتعليم وخاصة المدرسة هي المصنع الذي من شأنه أن يخرج للبلاد طلاباً على قدر من الفهم والاستيعاب للتطورات المذهلة التي وصل إليه العلم حتى يومنا هذا ،فالعلماء اليوم بعلمهم قد عرفوا وأدركوا ما في جوف هذه الأرض وبحارها من كائنات ونباتات ومخلوقات شتى، فانطلقوا بعدئذ إلى الكواكب الأخرى ووصلوا إلى القمر ثم إلى المريخ. وبالأخير إذا كان لي من كلمة أخيرة بهذا الصدد عن التدوير الوظيفي فإنه بمثابة الرئة للإنسان، أو بعبارة أخرى فإنني لا أجد أنسب قول بهذا الصدد استشهد به أجمل من هذا البيت للإمام الشافعي عليه رحمة الله: “إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب” فالشخص عندما يبقى في منصبه لسنوات طوال تتكون لديه حالة من الشعور يخال نفسه الأمارة بالسوء من أن العناية الإلهية قد اختارته دون سواه لهذا المنصب، وعليه فلا ينبغي عليه تركه لغيره. ومع مرور السنين تترسخ لديه حالة الغرور وتتعمق له نزعة الاستبداد والشعور في أن كل ما يصدر عنه من تصرفات إنما هي صحيحة لا تجانب الصواب، وأما الآخرون فإنهم دون ذلك. ولذلك كان علماء الإدارة والاجتماع والنفس قد أدركوا جملة من الحقائق العلمية المتصلة بقدرات الإنسان ومكوناته وحدود طاقاته المختلفة فحددوا سنوات خدمات كل شخص وبالتالي المخاطر قد تصيب نطاق دائرة عمل الشخص، والأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن السنوات الزائدة التي قد يمضيها الموظف في عمله وإنها تفضي إلى العديد من الخسائر والمشكلات التي لا تصيب المرفق الذي يعمل فيه وحسب وإنما بدرجة أولى تصيب الشخص نفسه.. لذلك كانت تشريعات مؤسسات الخدمة والتوظيف التي تمت على أيدي كبار العلماء المختصين بشئون الخدمة والتوظيف، ولذلك تأخذ كافة الدول المتقدمة بالعالم بهذه الأنظمة والتشريعات..