خمسون عاماً مضت على قيام الثورة اليمنية الخالدة التي انطلقت صبيحة يوم الخميس 26 سبتمبر 1962م معلنة أهدافها الستة العظيمة التي تميزت بوضوح الرؤية وعمق الوعي وتحديد الهدف، حيث عبرت عن مسارها الواضح في تحرير الشعب اليمني من الاستبداد الإمامي الكهنوتي في الجزء الشمالي من الوطن والسلاطيني والاستعمار البريطاني في الجزء الجنوبي ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات وبناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها وإنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني ورفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً والعمل على إعادة وحدة الوطن اليمني أرضاً وإنساناً.. وخلال الخمسين عاماً الماضية من عمر الثورة تم العمل على ترجمة أهدافها العظيمة على أرض الواقع وخصوصاً فيما يتعلق بالتحرر من الاستبداد الإمامي والسلاطيني والاستعمار البريطاني وكذا إعادة وحدة الوطن وإشاعة الديمقراطية ورفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وبشكل عام فقد أحدثت الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر تغييرات جذرية في الحياة اليمنية وتحقق في ظلها إنجازات عظيمة في شتى المجالات رغم المعوقات والصعوبات الجمة التي اعترضت مسيرتها منذ لحظة انطلاقها، ويكفي الإشارة إلى أن الثورة نقلت اليمنيين من عهد التخلف والظلم والجبروت الإمامي والسلاطيني والاستعماري إلى عهد العلم والتقدم والحرية، وبفضل الثورة تحقق الاستقلال الوطني من الاستعمار البريطاني للجزء الجنوبي والغربي من الوطن في 30 نوفمبر 1967م، وبفضل الثورة تم إعادة وحدة الوطن في 22 مايو 1990م والتي تم معها اعتماد النهج الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية، وبفضل الثورة تحققت نهضة تنموية وتعليمية وثقافية واقتصادية كبيرة وحدثت تحولات تاريخية عظيمة ورغم كل ما تحقق إلا أنه للأسف لم يستطع اليمنيون تجاوز أهم المعوقات التي حالت دون الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية وترسيخ أسس بناء الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون التي يتساوى فيها جميع اليمنيين في الحقوق والواجبات ويخضع في ظلها الجميع دون استثناء للدستور والأنظمة والقوانين. بعد خمسين عاماً على قيام الثورة واثنين وعشرين عاماً وأربعة أشهر على إعادة وحدة الوطن اليمني أرضاً وإنساناً واعتماد النهج الديمقراطي والتعددية السياسية كوسيلة حضارية لتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة للأسف ما زال هناك من يتحدث عن الشرعية الثورية وينتهج أسلوب التثوير بدلاً عن أسلوب التنوير.. من المؤسف أن هناك من يريد أن يعيد اليمن واليمنيين إلى تلك الأيام السوداء في الستينيات والسبعينيات والتي كان فيها القتال من شارع إلى شارع في عدن وصنعاء ومن منطقة إلى أخرى بين اليمنيين سواء فيما كان يعرف بالشطر الشمالي أو الشطر الجنوبي أو المواجهات العسكرية بين الشطرين.. ألم يحن الوقت بعد للانتقال من مرحلة الثورية والتثوير إلى مرحلة البناء والتعمير والتنوير..؟ فالتثوير لم يخلف للوطن والشعب سوى التدمير وعرقلة عجلة التنمية والبناء والتعمير.. فهل يعي جميع اليمنيين وفي المقدمة مراكز القوى وقيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية والمشائخ والوجهاء أن الوطن أصبح اليوم على مفترق طرق وأن مؤتمر الحوار الوطني يعد بمثابة طوق النجاة للجميع ولذلك يتوجب العمل بمسؤولية وطنية لإنجاح الحوار وطرح كل القضايا بشفافية دون شروط مسبقة ووضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل المصالح الشخصية والحزبية والتسليم بالقرارات والنتائج التي سيتمخض عنها مؤتمر الحوار الوطني وعدم الوقوف أمام مسيرة التغيير وعرقلة السير نحو اليمن الجديد وبناء الدولة المدنية الحديثة..؟ ليكن العيد الخمسون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة محطة يتوقف فيها الجميع لمراجعة حساباتهم والنظر بتمعن لما شهده الوطن على مدى 50 عاماً مضت لاستلهام العبر والدروس والاستفادة مما حدث خلالها سلباً وإيجاباً لتجاوز السلبيات وتطوير الإيجابيات لبناء اليمن الحضاري الجديد.